احذر القاضي الجائع! - بقلم علي العريان


 
في مدونته www.randalolson.com قام طالب الدكتوراه راندال أولسون - والمتخصص في دراسة علوم الكمبيوتر و المهتم ببحوث الذكاء الاجتماعي و التطور و السلوكيات الجمعية – بعرض تجربة مخيفة أجريت على القضاة لاختبار مدى موضوعية ما يتخذونه من قرارات وينقلها راندال بدوره عن الكتاب الأفضل مبيعا في عام 2011 و الذي كتبه عالم النفس الأمريكي الإسرائيلي الفائز بجائزة نوبل دانيال كانيمان وعنوان كتابه "التفكير بسرعة وببطء" أو 'Thinking, Fast and Slow' وبالتحديد من الفصل الثالث الذي يناقش فيه دانيال كيفية تأثير العوامل الخارجية على عملية اتخاذ القرار ، و كيف تؤثر هذه العوامل في ميلنا إلى اتخاذ قرارات جاهزة وسهلة بدل التفكير في القضية المعروضة أمامنا ، و استشهادا على حديثه ينقل دانيال مثالا مخيفا من دراسة نشرت قبل بضع سنوات في مجلة PNAS الأكاديمية الأمريكية المحكمة.
 
Daniel Kahneman دانيال كانيمان

 في هذه التجربة يقوم الباحثون بتحليل الأحكام التي اتخذها ثمانية قضاة متمرسون بشأن طلبات إطلاق سراح المساجين المشروط Parole requests ، وقد لاحظ الباحثون بأن القضاة ينظرون في 35 طلبا كل يوم وبأنهم يقضون حوالي 6 دقائق للنظر في كل منها ، وقد كان متوسط الطلبات التي وافق عليها القضاة بنسبة 36% من إجمالي الطلبات ، و بالتالي فقد كان الاحتمال الراجح هو عدم الحصول على الموافقة .

ولنا أن نتصور بأن القضاة – في جميع الشعوب – هم الأقدر على اتخاذ قرارات نزيهة و حيادية ، فإذا لم يكن هنالك عوامل خارجية مؤثرة في قراراتهم فإننا نتوقع منهم أن يوافقوا على 36% من الطلبات يوميا.

دعونا الآن نلقي نظرة على نتائج البحث:


 
تعليق على الرسم: تمثل النقاط في هذا الرسم وقت راحة القضاة ، ويعرض الرسم بشكل واضح أن قرار القاضي بقبول طلب إطلاق سراح السجين يتأثر بعامل الوقت أي بترتيب أوراق القضية في الرول.

 بدت النتيجة وهي تشكل صدمة ، فقد تبين أن القضاة يكونون أكثر ميلا إلى الموافقة على الطلب إذا كانوا قد جاؤوا للتو من فترة الراحة القصيرة ، و في مقابل ذلك فإنهم يميلون إلى رفض الطلب كلما طالت فترة العمل واقتربت فترة الراحة بل تصل نسبة الرفض إلى 100% قبيل فترة الراحة القصيرة.

تمثل هذه النظرية مثالا كلاسيكيا لنظرية (أثر الاستنزاف في حكم الإنسان) أو Depletion effect in human judgment وهي نظرية تقول بأن لدينا نحن البشر كمية محدودة من الطاقة الذهنية نقوم باستهلاكها خلال فترة العمل ، و بالتالي فكلما طالت فترة عملنا على مهمات تجهد الذهن ، كلما استهلكنا طاقة ذهنية أكبر ، مما سيؤدي أخيرا إلى لجوئنا للقرارات الجاهزة و السهلة default decisions والتي عادة ما تكون خاطئة.

ففي الدراسة المذكورة ، فإن القضاة بمجرد أن استهلكوا طاقاتهم الذهنية بنظر عدد من القضايا قاموا بعدئذ برفض جميع الطلبات وهو ما يجسد اللجوء إلى الـ default decisions حتى حان موعد الراحة القصيرة ، مما يعني أن هنالك مرشحين مؤهلين لإطلاق السراح المشروط كان من الممكن أن يطلق سراحهم ولكنهم ظلوا في السجن لفترة أطول فقط لأن القاضي لم يتناول وجبة منتصف النهار ولأنه كان مجهد الذهن.

 

النصائح التي يذكرها المدون مستفيدا من هذه التجربة هو أن تحاول جهدك كي تعرض قضيتك على القاضي مبكرا في بداية فترة عمله أو بعد راحته القصيرة أو راحة الغداء ، وأن تقوم أنت بدورك – فيما لو كنت في موضع القاضي – بأخذ فترات راحة منتظمة أثناء فترة عملك ، فكلما طالت فترة عملك دون انقطاع كلما ساء أداؤك.

 

·       المصدر باللغة الانكليزية:

 


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان