البريء .. والي داعش - بقلم المحامي علي العريان



 

دعوني أبدأ بنص ما قررته محكمة الاستئناف تكرارا لما ذكره حكم المحكمة الكلية (أول درجة) حين نص على أنه (( وبجلسة 29-10-2015 شهد ضابط جهاز أمن الدولة ... وأضاف بأن الانتماء إلى تنظيم داعش يتم من خلال المتهم التاسع – فهد فرج نصار – الذي يتولى تزكية الأشخاص في الكويت للانضمام إلى التنظيم باعتباره واليا لداعش في البلاد ، وقرر بأن رسالة وصلت إلى أحد ضباط جهاز أمن الدولة محتواها طلب الإفراج عن المتهم التاسع أو وقوع تفجيرات في البلاد .. الخ)) [حكم محكمة الاستئناف في القضية رقم 3496-2015 جنايات أمن دولة الصفحة 16] ، هذا النص في حيثيات الحكم يبين السبب الرئيسي والهدف الأساسي من وراء قيام تنظيم داعش بتفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت ، وحينما قرأت حيثيات الحكمين قفز إلى ذهني خبر نقلته جريدة القبس في عددها الأول الصادر بعد يوم التفجير مباشرة قررت فيه أن الأجهزة الأمنية كانت قد تلقت معلومات بشأن استهداف دور العبادة قبل أربعة أيام من وقوع التفجير إلا أنها لم تعر تلك المعلومات الاهتمام اللازم [جريدة القبس بتاريخ 10 رمضان 1436هـ الموافق 27 يونيو 2015م في عددها رقم 15113].

وسرعان ما قامت وزارة الداخلية بعد نشر الخبر السابق بإصدار بيان يكذب الخبر ويندد به ويحث وسائل الإعلام على أن تتجنب ما يثير البلبلة وزعزعة أمن وأمان المواطنين وأن تكون على قدر المسؤولية المنوطة بها ، ثم أردفت ذلك ببيان آخر مدعم بوثائق نشرتها في الصحف اليومية تبين الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الوزارة قبل وقوع التفجير وتبرئ ساحتها من أي قصور وتقصير.
 
 

ما يهمني من تلك المقدمة وفي هذا المقال هو تبيان أن الهدف الأول من استهداف جامع الإمام الصادق هو الإفراج عن فهد فرج والي داعش في الكويت والذي خففت المحكمة الاستئنافية حكمه في قضية المشاركة في جريمة التفجير من الإعدام إلى البراءة و أدانته بتهمة الانتماء لتنظيم محظور بالحبس 15 عاما علاوة على إدانته في أحكام سابقة مما يدل على أن الرجل سيقضي ردحا من حياته بين قضبان السجن.

بعيدا عن التحليل القانوني للحكم ما بين محكمة الدرجة الأولى والاستئناف – والذي أعتقد بأن محكمة الاستئناف كانت أقرب فيه إلى الصواب ما لو اقتصرت نظرتنا على ما قدم من أدلة وأوراق في الدعوى – فإن ثمة تحليلا سياسيا أمنيا مهما لتداعيات هذا الحكم.

حاصل هذا التحليل هو أن بقاء فهد فرج في الحبس يعني أن سبب التفجير والباعث من ورائه لا زال قائما و سيبقى قائما لسنوات طويلة ، بخلاف ما لو تم التعامل مع المذكور بإعدامه أو إبعاده ، مما يعني أن حكم المحكمة الاستئنافية – وإن كان أقرب إلى الصواب وفق النظرة الفنية الموضوعية البحتة إلا أنه لم يراع هذا الاعتبار الخطير ، وهو أمر إن دل على شيء فإنما يدل على مدى استقلال و موضوعية وحياد القضاء الكويتي ، إلا أنه ومن ناحية أمنية سياسية يثير القلق والمخاوف ، خصوصا وأن الانتحاري الهالك قد أشار في وصيته الصوتية إلى احتمالية تكرار تلك الجرائم.

لقد كان للكويت تجربة سيئة مع بعض التنظيمات الإرهابية في الثمانينيات حيث أنه وحين حبس مرتكبو تفجيرات 1983 وحكم عليهم بأحكام متفاوتة تلاحقت جرائم جماعتهم الإرهابية على وطننا الحبيب بهدف الضغط على الحكومة للإفراج عنهم ، هذه التجربة يجب أن تدرس بعناية لتقدم الحلول التي تمنع تكرارها ، ولا شك بأن الحلول هاهنا ليست ميسرة ولا سهلة في ظل ما يحكمنا من دستور وقانون ومبادئ وقيم لا نستطيع معها إيقاع عقوبة على شخص قبل ارتكابه للجريمة ودون محاكمة ولا أن نطمس ذكره ونصفيه تصفية جسدية كما يحصل في دول أخرى.

ثمة نقطة أخيرة ، وهي أنه لو انطلقنا إلى تحليل أعمق لسلسلة الهجمات التي شنها تنظيم داعش على الكويت والمملكة العربية السعودية و ما يعرف بحملة الذئاب المنفردة فإن الهدف الاستراتيجي لتلك الهجمات ليس واضحا بشكل محدد ودقيق ، كما أنه ليس من الواضح ما لو كان الهدف المطلوب تحقيقه في الكويت هو ذات الهدف الذي يريده التنظيم في السعودية ، فقد كرر داعش هجماته عدة مرات في المملكة إلا أنه لم يستهدف الكويت إلا مرة واحدة مستغربة حتى الآن ، مما يثير استفهاما أمنيا مهما فيما لو كان للتنظيم مشروع في الكويت أم أن جريمته البشعة كانت مقتصرة على هدف محدد وهو ما ذكر في حيثيات حكمي المحكمة.

حفظ الله الكويت وأهلها من كل سوء ومكروه إنه سميع مجيب الدعاء.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان