نظرية العنصر النقدية - المحامي علي العريان
نشأت نظرية العنصر النقدية Critical Race Theory وتطورت وترعرعت في أحضان الفقه القانوني
الأمريكي، وذلك لأن مشكلة العنصرية كانت ولا زالت إحدى الأزمات الاجتماعية العميقة
التي تعيشها هذه البلاد، ولذا انطلق الإصلاحيون كل من موقعه للتصدي لمعالجة هذه
الأزمة ذات الجذور التاريخية، ومن بين هؤلاء كان أساتذة وأستاذات القانون، فعلى
الرغم من الانتصارات التي حققتها حركة الحقوق المدنية الأمريكية The Civil Rights movement إلا أنه – وكما تقول Kimberle Crenshaw – لم تتصد هذه الحركة لتفنيد الأيدولوجيا
العنصرية، وأبقت عليها سليمة، وهذا ما تصدى له أساتذة وأستاذات القانون على مستوى
أكاديمي، حيث كان لهم دور مهم في وضع الأيدولوجيا العنصرية موضع النقد والتمحيص
والفحص والتفنيد، بما أدى إلى ظهور كتابات عديدة تحت عنوان ما عرف بنظرية العنصر
النقدية، وسأبدأ هذا المقال باستعراض ثلاث محطات إصلاحية في تاريخ الولايات
المتحدة التشريعي والقضائي، والتي تمكن من خلالها المناهضون للتمييز العنصري من
تحقيق انتصارات وإجازات على مستوى إصلاح المؤسسة التشريعية والقضائية، وهذه
المحطات هي التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة الأمريكية، والحكم الصادر
عن المحكمة العليا بعدم دستورية قانون الفصل بين الطلاب البيض والسود في المدارس،
والمحطة الثالثة هي صدور قانون حقوق التصويت، وفيما يلي التفصيل:
المحطة الأولى: التعديل الرابع عشر على
دستور الولايات المتحدة الأمريكية
أجري هذا التعديل عام 1868 وقد قرر حقوق
مواطنة متساوية ونص على المساواة في حق التمتع بحماية القانون، وقد جاء هذا
التعديل استجابة لدعوات المنادين بإصلاح أوضاع العبيد الذين تم تحريرهم Former Slaves أثناء وبعد الحرب الأهلية الأمريكية، ولم
يكن تمرير هذا التعديل بالعملية الميسورة، فقد احتج جملة من الشعب الأمريكي عليه
وخصوصا الولايات الكونفيدرالية المهزومة، ولكنها أجبرت على المصادقة عليه لكي
تتمكن من استعادة تمثيلها أمام الكونغرس، ولاحقا رفعت العديد من الدعاوى التي
استندت قانونيا على التعديل الرابع عشر، منها ما يتعلق بالفصل العنصري بين الطلاب
البيض والسود في المدارس كما سيأتي، ومنها ما يتعلق بالإجهاض وحقوق المثليين
والانتخابات الرئاسية.
تنص الفقرة الأولى من التعديل الرابع عشر
على ما يلي:
«جميع الأشخاص المولودين في الولايات
المتحدة أو المتجنسين بجنسيتها والخاضعين لسلطانها يعتبرون من مواطني الولايات
المتحدة ومواطني الولاية التي يقيمون فيها. ولا يجوز لأية ولاية أن تضع أو تطبق أي
قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة، كما لا يجوز لأية
ولاية أن تحرم أي شخص من الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون مراعاة الإجراءات
القانونية الأصولية، ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطانها من المساواة في حماية
القوانين».
المحطة الثانية: الحكم الصادر عن المحكمة
العليا بعدم دستورية الفصل بين الطلاب البيض والسود في المدارس
كان هنالك حكم قديم صادر عن المحكمة العليا
عام 1896 في قضية Plessy
v. Ferguson بشأن القانون الذي يقرر
الفصل بين الطلاب البيض والسود في المدارس الحكومية والمدارس التي ترعاها الدولة،
وقد قرر هذا الحكم دستورية الفصل طالما كانت الخدمات والتسهيلات التي تقدم للطلاب
في المدارس متساوية، ولذا فقد عرف هذا الحكم باسم "منفصلون لكن متساوون separate but equal".
وفي عام 1954 أصدرت المحكمة العليا حكمها
في قضية Brown v.
Board of Education والذي حكمت فيه بعدم
دستورية القانون بشأن الفصل بين البيض والسود في المدارس، حتى لو كان هنالك مساواة
في الخدمات والتسهيلات التي تقدم لهم، وقد أسندت المحكمة حكمها إلى التعديل الرابع
عشر على دستور الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قررت المحكمة بأن الفصل العنصري
بين البيض والسود مخالف لبند الحماية المتساوية equal protection clause، وقد كان هذا الحكم عاملا فعالا لتعزيز
الاندماج بين البيض والسود، كما أنه يعد أحد الانتصارات البارزة لحركة الحقوق
المدنية.
إن قضية Brown v. Board of Education تعتبر مصداقا ومثالا جيدا لما يعرف بدعاوى
التأثير أو الدعاوى الاستراتيجية impact litigation or strategic litigation وهي الدعاوى التي تهدف إلى تحقيق التغيير
الاجتماعي، وعادة ما ترفعها التيارات السياسية، وهي غالبا ما تكون دعاوى دستورية
لما يتميز به حكم محكمة التمييز من حجية مطلقة وإلزام على الكافة.
صورة لأعضاء هيئة المحكمة العليا التي أصدرت في 17 مايو 1954 حكمها بعدم دستورية قانون الفصل العنصري بين الطلاب البيض والسود في المدارس
المحطة الثالثة: صدور قانون حقوق التصويت
صدر هذا القانون عام 1965 ونص على تقرير
حقوق تصويت متساوية لجميع المواطنين الأمريكيين، حيث يتمتع الأسود بحق التصويت كما
يتمتع به الأبيض تماما، وقد جاء هذا التشريع تطبيقا للتعديل الرابع عشر والخامس
عشر على دستور الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كفلت حق التصويت للأقليات
العرقية، وقد أجرى الكونغرس على قانون حقوق التصويت العديد من التعديلات اللاحقة
التي تهدف إلى توسعة نطاق الحماية القانونية، وقد وصفت وزارة العدل الأمريكية هذا
القانون بأنه الأكثر فعالية من بين جميع التشريعات الفيدرالية التي تنظم الحقوق
المدنية.
نظرية العنصر النقدية
بعدما مررنا ببعض المحطات الأساسية في
تاريخ الإصلاح المؤسسي التشريعي القضائي الأمريكي فيما يتعلق بمشكلة التمييز
العنصري، نأتي الآن إلى شرح نظرية العنصر النقدية، والتي هي الوجه الأكاديمي
القانوني الإصلاحي في هذا النضال الطويل، وهي تجربة ثرية تستحق الدراسة من حيث
أنها تشكل إطارا عاما للمقاربات الأكاديمية الأمريكية لتنقية النظام التشريعي
والمؤسسي من شوائب التمييز العنصري ويمكن إسقاطها وتطبيقها على واقعنا والاستفادة
منها لتشخيص وعلاج مشكلاتنا فيما يتعلق بالتمييز العنصري أو سائر أشكال التمييز
الأخرى.
إن نظرية العنصر النقدية تهدف إلى تشخيص
مواطن الخلل في القوانين والتشريعات واللوائح والقرارات التنظيمية والممارسة
القضائية والتشريعية والمؤسسية، ومن ثم إصلاح هذا الخلل وتعديله تصحيحه، وفيما يلي
نتطرق إلى هذه النظرية من حيث التعريف والنشأة، وعلاقاتها بالمدارس والنظريات
القانونية الأخرى التي سعت إلى تنقية النظام المؤسسي من التمييز ووجهت الانتقاد
الفلسفي اللاذع إليه، وأهم مضامين نظرية العنصر النقدية وعناصرها ومباحثها، ثم
سنبين أهم الفقهاء الذين كتبوا ونظروا وطوروا نظرية العنصر النقدية، وأهم
منتقديها، والتفرعات التي ظهرت من نظرية العنصر النقدية الأمريكية.
نشأة وتعريف نظرية العنصر النقدية
بدأت نظرية العنصر النقدية كحركة نظرية في
مدارس القانون الأمريكية في الثمانينيات، وذلك كإعادة صياغة وتطبيق للدراسات
القانونية النقدية على مسائل العنصر والعنصرية، وتحديدا تعزى نشأة هذه النظرية إلى
الكورس البديل الذي طرح في كلية الحقوق في جامعة هارفارد عام 1981 حول العنصر،
وإلى مؤتمر عقد عام 1989 في ماديسون Madison عاصمة
ولاية وسكونسن في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحلول عام 2002 أصبح هنالك أكثر من عشرين
كلية حقوق في الولايات المتحدة الأمريكية وثلاث كليات حقوق على الأقل في دول أخرى
تقدم مواد حول نظرية العنصر النقدية، كما أصبحت نظرية العنصر النقدية تدرس في
العديد من المجالات العلمية مثل التربية والعلوم السياسية ودراسات المرأة
والدراسات العرقية والتواصل والدراسات الأمريكية.
إن نظرية العنصر النقدية هي إطار تنظيري في
العلوم الاجتماعية يستعمل النظرية النقدية كي يتفحص ويشخص المجتمع والثقافة من حيث
ارتباطهما بالعنصر والقانون والقوة والنفوذ، إذ أن هنالك موضوعين أساسيين
تتناولهما نظرية العنصر النقدية هما دور القانون في المحافظة على سمو العنصر
الأبيض white
supremacy والنفوذ العنصري، وإمكانية
تعديل العلاقة بين القوانين والنفوذ العنصري وتبني مشروع يناهض التمييز العنصري.
في إطار وصف كلية UCLA للعلاقات العامة UCLA school of public affairs لنظرية
العنصر النقدية تقرر ما يلي: «تقرر نظرية العنصر النقدية أن التمييز العنصري مزروع
في نسيج ونظام المجتمع الأمريكي، لا نحتاج إلى وجود الفرد العنصري كي نلاحظ بأن
التمييز العنصري المؤسسي منتشر في الثقافة السائدة، هذه هي العدسة التحليلية التي
تستعملها نظرية العنصر النقدية في فحص بنى القوى القائمة، حيث تقرر نظرية العنصر
النقدية بأن بنى القوة هذه تقوم على أساس امتياز الأبيض وسموه والذي يديم تهميش الناس
الملونين».
ويعرف الفقيه القانوني Roy L. Brooks نظرية العنصر النقدية بأنها: «مجموعة من
المواقف النقدية ضد النظام القانوني القائم من وجهة نظر تقوم على أساس العنصر» ثم
يقول: «إنها تركز على الطرق المختلفة التي تؤثر من خلالها التقاليد القانونية
الشائعة عكسيا على الناس الملونين لا كأفراد بل كمجموعة، وهكذا تحاول نظرية العنصر
النقدية بأن تحلل القانون والتقاليد القانونية من خلال التاريخ والتجارب المعاصرة
ومدركات الأقليات العنصرية في هذه الدولة، إن السؤال الذي دائما ما يبدو في خلفية
نظرية العنصر النقدية هو: كيف سيبدو المشهد القانوني اليوم لو كان الناس الملونين
صناع قرار؟».
الفقيه القانوني Roy L. Brooks
تطلق أستاذة القانون ماري ماتسودا Mari Matsuda على نظرية العنصر النقدية مسمى فقه الخوارج outsider jurisprudence وفقه البناء jurisprudence of construction.
Derrick Bell
Mari
Matsuda
علاقة نظرية العنصر النقدية بالمدارس الأخرى:
أولا: علاقتها بمدرسة الدراسات القانونية
النقدية Critical
Legal Studies والنظرية القانونية
ليست نظرية العنصر النقدية جزءا من
الدراسات القانونية النقدية ولا منظومة الحقوق المدنية التقليدية، ولكنها كما عبر
بعض الكتاب "وريث كل من الدراسات القانونية النقدية وعلم الحقوق المدنية
التقليدي"، فرغم أن نظرية العنصر النقدية تتضمن أفكارا موروثة منهما، إلا
أنها وجهت إليهما سهام النقد والتفنيد في كثير من الأحيان، بل إن نظرية العنصر
التقليدية توصف بأنها حراك أمريكي في مواجهة إفراط ومغالاة الدراسات القانونية النقدية
في تفكيك المفاهيم، وهذا لا يعني أن نظرية العنصر النقدية لا تمارس التفكيك
والتشكيك، فقد شككت في مفاهيم مثل العدالة والمساواة والعلية حينما شابتها شوائب
النفوذ والسلطة، حيث تسعى نظرية العنصر النقدية إلى كشف الخلط ما بين هذه المفاهيم
والتمييز العنصري.
كذلك فإن مقاربة نظرية العنصر النقدية إزاء
النظرية القانونية هي مقاربة تفكيكية من جانب deconstructionist وذلك عندما توجه النقد الراديكالي للقانون، وهي
مقاربة إعادة بناء reconstructionist من جانب آخر، حيث تشدد
نظرية العنصر النقدية على أن الحقوق التي يقررها القانون هي ذات أهمية بالغة ويمكن
الاستناد إليها لتحقيق غاياتها.
ثانيا: علاقة نظرية العنصر النقدية بحركة
ما بعد الحداثة
لا يمكن أن نطلق حكما واحدا على نظرية
العنصر النقدية فيما يتعلق باعتبارها من نظريات ما بعد الحداثة من عدمه، فمن ناحية
لا يزال هذا الأمر محل جدل، ومن ناحية أخرى فإن أصحاب نظرية العنصر النقدية
متفاوتون من حيث تبنيهم لأفكار الحداثة وما بعد الحداثة، وحول هذه العلاقة ما بين
نظرية العنصر وأفكار ما بعد الحداثة تكتب أستاذة القانون Angela Harris قائلة:
«مدعوما بانشغالهم بما أسميه «سياسة
الاختلاف» فإن إحدى منافع هذا الانشغال هي تقليد طويل وثري من الصراع على مستوى
عملي مع أسئلة الهوية التي أثارها القانونيون المابعد حداثيون في الخلاصة، ومنفعة
ثانية أعمق هي الالتزام بالتوتر نفسه، للأشخاص الملونين كما للمجاميع الأخرى
المضطهدة، فإن مفاهيم الحداثة حول الحقيقة والعدالة والموضوعية كانت دائما ضرورية
ولكن غير كافية، إن تاريخ هذه المجاميع – مغالطة سياسة الاختلاف – هو الكتاب التمهيدي
حول كيف تعيش وحتى تجاهد في تناقض فلسفي».
وعموما فإن أصحاب نظرية العنصر النقدية
يستعملون أحيانا أدوات ما بعد الحداثة مثل التفكيك على النحو الذي بيناه آنفا.
ولكن، ولما كانت حركة ما بعد الحداثة تفند
بعض مفاهيم التنوير وأفكار إيمانويل كانت حول الحقوق الفردية والمساواة والعدالة،
والتي هي من الخصائص الأساسية للحداثة، كما أن حركة ما بعد الحداثة تقف موقفا
متعسرا اتجاه الموضوع the subject، فإنه لا يمكن القول بأن
نظرية العنصر النقدية تساير حركة ما بعد الحداثة في ذلك، إذ أن كثيرا من أصحاب
نظرية العنصر النقدية يتبنون أفكار الحداثة والتنوير، ولا يرفضون الموضوع the subject كما لا يرفضون مفهوم الحقوق المدنية، وهو ما
أثار الجدل بشأن مدى إمكانية وصف هذه النظرية بأنها من نظريات ما بعد الحداثة.
Angela
P. Harris
ثالثا: علاقة نظرية العنصر النقدية بالفقه
القانوني النسوي
ثمة خصائص مشتركة ما بين نظرية العنصر
النقدية والفقه القانوني النسوي feminist jurisprudence إذ أن كليهما قد نشأ ليعالج مسألة التمييز في القوانين والتشريعات
والأنظمة المؤسسية، كما أن كليهما قد ظهر ونما وتطور ضمن نظرية قانونية سائدة رؤي
بأنها تعبر عن مصالح ذوي النفوذ، وتسعى كلتا المدرستين إلى معالجة مشكلة التمييز
بإصلاح القوانين والتشريعات والأنظمة، ولكنهما تختلفان عن بعضهما البعض في أن
إحداهما تعالج مسألة التمييز على أساس العنصر والعرق بينما تعالج الأخرى التمييز
على أساس الجنس.
ثمة ارتباط وثيق ما بين نظرية العنصر
النقدية والنظريات القانونية النسوية، ويتجلى ذلك في التقاطعية intersectionality والتي بذلت أستاذة القانون Crenshaw جهودا مشهودة في دراستها، وتعني دراسة التمييز من خلال أخذ أسسه
المتنوعة كالجنس والدين والعرق والعنصر والتوجه الجنسي والطبقة وغيرها بعين
الاعتبار، وهكذا فإن هذا الارتباط ما بين النسوية ونظرية العنصر النقدية يعالج الانتقاد
الموجه إلى النسوية من حيث أنها لا تهتم إلا بالمرأة البيضاء المتعلمة من الطبقة
المتوسطة، حيث تقول Kimberle Crenshaw بأن «التمييز ضد المرأة
البيضاء هو الادعاء المعياري للتمييز على أساس الجنس»، وهذه النظرة الجوهرية
للمرأة تتجاهل عناصر الهوية وأسباب الاضطهاد الأخرى، وخصوصا العنصر.
يمكن أن نتلمس أوجه تشابه ما بين نظرية
العنصر النقدية والنسوية الراديكالية، حيث أن كلتا النظريتين تضعان ثنائية قطبية
تميز الفكر الغربي، ثنائية للصور النمطية للمرأة مقابل الرجل، وثنائية للأسود
مقابل الأبيض، ونوضح الأخيرة في الجدول التالي:
الأسود
|
الأبيض
|
كسول
|
كادح
|
غبي
|
ذكي
|
لا أخلاقي
|
أخلاقي
|
جاهل
|
متعلم
|
ذو ثقافة معيقة
|
ذو ثقافة تمكينية
|
عديم الحيلة (عديم
الدبرة)
|
يتمتع بحس
المسئولية
|
فاسق وشهواني
|
تقي وصاحب فضيلة
|
مجرم
|
ملتزم بالقانون
|
من ناحية أخرى فإن النسوية الراديكالية
توجه سهام النقد إلى النسوية الليبرالية حيث أن الأخيرة تفصل ما بين الفضاء
الاجتماعي الخاص والعام، إذ تحد من سلطة تدخل القانون والدولة في الفضاء الخاص،
فتعجز نتيجة لذلك عن معالجة مشاكل المرأة داخل الفضاء الخاص مثل العنف المنزلي
الموجه ضدها، وهذه مفارقة مثيرة للملاحظة ما بين النسوية ونظرية العنصر النقدية،
والتي تسلط الدراسات التقاطعية الضوء عليها أخذ، ففي نظرية العنصر النقدية نجد أن
هذه المسألة مختلفة، حيث أن المرأة السوداء فقيرة وهي عادة ما تقضي غالب وقتها في
العمل خارج المنزل، وبالتالي فإن صورة المرأة التي تقضي معظم وقتها في المنزل
والتي تكون سلبية وغير فعالة تعكس مشكلة المرأة البيضاء من الطبقة المتوسطة، ولا
تعكس مشكلة المرأة السوداء الفقيرة.
Kimberlé
Crenshaw
عناصر ومضامين أساسية تناولتها نظرية
العنصر النقدية بالبحث
نسرد فيما يلي مجموعة من الموضوعات
والعناصر التي تناولتها نظرية العنصر النقدية بالبحث وهي:
-
نقد الليبرالية: حيث يفضل أصحاب نظرية العنصر النقدية مقاربة أكثر ضراوة
من المقاربة الليبرالية اتجاه التغيير الاجتماعي، حيث أنها مقاربة واعية بالعنصر
وتختلف عن مقاربة الليبرالية والتي تغفل العنصر color blindness، وتفضل نظرية العنصر النقدية الاعتماد أكثر على التنظيم السياسي
وذلك بخلاف الليبرالية التي تعتمد على المعالجات القائمة على الحقوق.
-
تلاوة القصص والحكايات ورواية حقيقة حياة الأفراد
وواقعهم بهدف توضيح واكتشاف
حالات الاضطهاد العنصري، فلقد أكد Bryan
Brayboy على الأهمية
المعرفية لسرد القصص والروايات في مجتمعات الشعوب الأمريكية الأصلية indigenous American communities كما اقترح وضع نظرية العنصر النقدية القبلية
tribal critical race theory
-
مراجعة وإعادة تفسير قانون الحقوق المدنية الأمريكي، ونقد بعثة الحقوق المدنية والقانون المناهض
للتمييز، ومثال على ذلك قضية Brown
v. Board of education،
حيث يجادل Derrick Bell وهو أحد مؤسسي نظرية العنصر النقدية بأن
الحقوق المدنية تقدم إلى السود بما يتواءم مع الاهتمامات الشخصية للنخبويين البيض،
لقد قامت أستاذة القانون Mary
Dudziak ببحث إرشيفي
موسع في وزارة العدل الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية ومراسلات سفراء الولايات
المتحدة في الخارج، وقد وجدت بأن تمرير القوانين في الولايات المتحدة لم يكن بهدف
قمع التمييز ضد الناس الملونين بل لتحسين صورة الولايات المتحدة أمام دول العالم
الثالث التي احتاجتها الولايات المتحدة كحلفاء أثناء الحرب الباردة
-
تطبيق رؤى العلوم الاجتماعية حول العنصر والتمييز العنصري على المشكلات
القانونية
-
نظرية التقاطعية تدرس كيف يلعب مزيج العنصر والجنس والطبقة الاجتماعية
والأصل القومي والتوجه الجنسي دورا في العديد من الحالات، مثلا: كيف تختلف حاجات
الأنثى اللاتينية عن الذكر الأسود، وأي من هذه الحاجات يتم تلبيتها.
-
فلسفة الجوهرية essentialism: حيث تخفض
تجربة فئة ما (جنس أو عنصر معين) إلى تجربة مجموعة أصغر sub-group
(المرأة البيضاء، أو الأمريكان من أصول أفريقية)، فالأصل أن جميع الأفراد
المظلومين يتقاسمون قواسم مشتركة، ولكن هذا الاضطهاد يختلف وفقا للجنس والطبقة
الاجتماعية والعنصر وغيرها، ولذا فإن الأهداف والاستراتيجيات سوف تختلف بحسب كل
فئة.
-
القومية السوداء black nationalism والدعوات
الراديكالية التي تبناها السود مثل الدعوى إلى الانفصال عن البيض وعدم إمكانية
الاندماج معهم، ويرتكز ذلك على رؤى متطرفة مثل أن السود هم أمة nation مستقلة ويجب أن يؤسسوا هوية مستقلة لهم، وأن لا يتوحدوا مع
المجتمع الأمريكي الأبيض.
-
البيداغوجية النقدية critical pedagogy (التعليم النقدي) وهي فلسفة تعليمية تعتمد النقد كوسيلة تطورية، تستعمل في مجال التربية
والتعليم كما تستعمل أيضا في مجال الحراك الاجتماعي بهدف تطوير المجتمع من خلال
النقد.
-
الحتمية البنيوية structural determinism وهي تعني كيفية تأثير بناء الفكر القانوني أو كيفية تأثير الثقافة
على مضمونها، وهي نمط من الفكر أو الممارسة المنتشرة على نطاق واسع والذي يحدد
المخرجات الاجتماعية المهمة، وعادة ما يظهر ذلك دون معرفة واعية.
-
امتياز الأبيض white privilege ويعني الامتيازات الاجتماعية الهائلة والمنافع والمكانة والتبجيل
التي ترتبط بكونك شخصا من العنصر السائد (المسيطر)، مثل أن يتجنب الآخرون المرور
من جانبك في الشارع ليلا، فالأشخاص البيض يتمتعون بامتيازات قد لا يدركون أحيانا
بأنهم يتمتعون بها، ومن ذلك أن الشخص الأسود يعتبر مختلفا بينما يعتبر الأبيض
عاديا.
-
العدوانية الخفيفة microaggression التي يتعرض
لها السود، ويقصد بها الإهانات الصغيرة والمختصرة واليومية في الأماكن العامة التي
يتعرض لها السود بشكل متعمد أو غير واع، سواء كانت لفظية أو سلوكية، وهذا المصطلح
وضعه الطبيب النفساني والأستاذ في جامعة هارفارد Chester M.Pierce، ومثل هذه الإهانات مثل قطرات الماء الصغيرة التي تحفر الصخر على
المدى الطويل.
-
العنصرية الداخلية internalized racism أو الاضطهاد العنصري الداخلي internalized racial oppression حيث يبدأ ضحايا التمييز العنصري بالاعتقاد
بأنهم أدنى مستوى من البيض وبأن ثقافة الأبيض أسمى من ثقافتهم، إن جعل التمييز
العنصري شعورا داخليا لا يعزى إلى أي ضعف أو جهل أو دونية أو خلل سيكولوجي أو
انخداع أو سذاجة في الفرد الأسود بل يعزى إلى نظام السلطة والنفوذ في جميع نواحي
المجتمع والذي يصب في تعزيز شعور الشخص المضطهد بالدونية وعدم المساواة، فيقبل
الأسود عن وعي أو دون وعي الهرمية الاجتماعية القائمة على أساس التمييز العنصري،
وعموما فإن مصطلح internalization يقصد به في العلوم
الاجتماعية قبول الشخص بمجموعة من القيم والأعراف بسبب تفاعله الاجتماعي، حيث
تكتسب هذه القيم من المحيط الخارجي، ومن أمثلة ذلك أن يبدأ الأسود بالاقتناع
بالصور النمطية التي تشاع عنه، بما في ذلك اقتناعه بأنها تنطبق عليه شخصيا كما
تنطبق على الفئة التي ينتمي إليها.
-
التمييز العنصري المؤسسي institutionalized racism وتعرفه Camara
Phyllis Jones بأنه البنى
والسياسات والممارسات والأعراف التي تؤدي إلى الوصول المتفاوت إلى المصالح
والخدمات والفرص في المجتمع وذلك بسبب العنصر، وقد يكون التمييز المؤسسي عرفيا أو
تشريعيا، وعادة ما يؤخذ على أنه خسارة موروثة أو عيب موروث، وتنعكس نتائج التمييز
المؤسسي في مدى تمتع الفرد بحق السكن والتعليم والخدمات الصحية والنفوذ السياسي
والوظائف المرموقة والمناصب والثروة والدخل والعدالة الجنائية، ولا يقتصر مفهوم
المؤسسة هاهنا على الدولة، فالمؤسسة مفهوم يشمل المؤسسة الدينية والاجتماعية
والتربوية والسياسية وغيرها.
-
تستمد نظرية العنصر النقدية الكثير من عناصرها من
الدراسات القانونية النقدية، كما أنها متأثرة بالفقه القانوني النسوي والنظرية ما
بعد الاستعمارية postcolonialism، ويقصد به ذلك الخطاب النقدي الذي يتناول
الآثار الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي خلفها الاستعمار على الشعوب والدول
المستعمرة – بفتح الميم –، وترتكز نظرية ما بعد الاستعمار على حركة ما بعد الحداثة.
-
إن التطورات الحديثة في نظرية العنصر النقدية تتضمن
أعمالا حول بحوث علم النفس الاجتماعي بشأن الانحياز اللاواعي والذي يستعمل لتبرير
التمييز الإيجابي affirmative
action، وكذلك
تعتمد هذه التطورات على بحوث في منهجية العلوم القانونية والاقتصاد وذلك لفحص عدم
المساواة البنيوي structural
inequality والتمييز في
أماكن العمل.
-
جرائم الكراهية وخطاب الكراهية، حيث ركز أصحاب نظرية العنصر النقدية على
بحثها ومناقشتها، ومما يذكر في هذا الصدد أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكمت
في قضية خطاب الكراهية R.A.V v.
City of St. Paul (1992)
بإبطال مادة في قانون جرائم الكراهية طبقت على مراهق حدث قام بحرق الصليب في حديقة
منزل أمريكيين سود، وبالتالي فقد ألغت حكم إدانته على أساس ذلك القانون، باعتباره
غير دستوري ويخالف التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة بشأن حرية التعبير، وقد
انتقد هذا الحكم حيث أن المحكمة لم تسلط الضوء الكافي على تاريخ خطاب التمييز
العنصري والأضرار الفعلية التي تسبب بها هذا الخطاب.
-
اهتم العلماء أيضا بمسألة التمييز الإيجابي affirmative action، وقد أيد العديد منهم هذا النوع من التمييز، حيث قرروا بأن معايير
القبول في التوظيف والتعليم ليست موضوعية ولا حيادية من حيث العنصر للعديد من
الأسباب.
أهم فقهاء نظرية العنصر النقدية:
من الفقهاء الذين أسسوا وطوروا نظرية العنصر
النقدية وكتبوا فيها كل ممن يلي:
•
Derrick Bell
•
Patricia Williams
•
Kimberle Williams Crenshaw
•
Mari Matsuda
الانتقادات التي وجهت إلى نظرية العنصر
النقدية
تصدى العديد من القانونيين وأساتذة القانون
لانتقاد نظرية العنصر النقدية ومن أبرزهم القاضيان Richard Posnerو Alex kozinski، ومن أبرز الانتقادات التي وجهت للنظرية ما
يلي:
•
تعتمد النظرية على سرد القصص والحكايات والسير الذاتية والتجارب
الفردية، وهذا أسلوب غير علمي ولا تمكن مناقشته، ولذا يصف Richard posner قاضي الدائرة السابعة في محكمة الاستئناف أصحاب نظرية العنصر
النقدية وأتباع حركة ما بعد الحداثة بأنهم «اللب المجنون» لمذهب «الإيمان
بالمساواة القانوني الراديكالي»، حيث كتب: «أكثر ما هو ملفت للنظر في نظرية العنصر
النقدية هو أنها .. تدير ظهرها للتقليد الغربي بالبحث العقلي، متخلية عن تحليل
الرواية، وذلك بدلا عن الحجج المنطقية والبيانات التجريبية، إن أصحاب نظرية العنصر
النقدية يروون القصص - الخيالية، و[قصص] الخيال العلمي، وشبه الخيالية، والسير
الذاتية، والحكايا النادرة – المصممة لكشف التمييز العنصري المنتشر والموهن في
أمريكا اليوم، ومن خلال رفض الاحتجاج المسبب، فإن رواة القصص هؤلاء يعززون الصور
النمطية بشأن القدرات الفكرية لغير البيض»، وفي ذات السياق يقول Alex Kozinski القاضي في الدائرة التاسعة في محكمة
الاستئناف الأمريكية بأن أصحاب نظرية العنصر النقدية قد بنوا فلسفة تجعل من
التبادل الصالح للأفكار بين الأدبيات المتنوعة غير ممكن، حيث: «إن رؤى المتنوعين
ثقافيا multiculturalists الراديكالية تنشئ حواجز غير قابلة للفصل
للفهم المشترك، خذ قصة «تجار الفضاء»، فكيف يمكن للشخص أن يقيم حوارا ذا جدوى مع
ديريك بيل Derrick
Bell؟ لأن هذه الفرضية غير
قابلة للفحص بتاتا، فيصل الشخص سريعا إلى نهاية ميتة بعدما يقبل أو يرفض تأكيده
بأن الأمريكيين البيض سيبيعون بسرور جميع السود إلى الفضائيين، إن القصة هي وكزة
في عيون الأمريكيين اليهود أيضا، وتحديدا أولئك الذين خاطروا بحياتهم وأبدانهم
بالمشاركة في احتجاجات الحقوق المدنية في الستينيات، حيث يقرر بيل ضمنيا بأن ذلك
قد فعل من منطلق البهرجة والاهمام بالذات»، وقصة تجار الفضاء the space traders التي يشير إليها هي قصة كتبها ديريك بيل أحد
منظري نظرية العنصر النقدية وتعد من قصص الخيال العلمي ونشرها عام 1992، ومضمونها
هو وصول كائنات من الفضاء إلى الولايات المتحدة حيث يعرضون عليها العديد من السلع
والخدمات مثل الذهب والطاقة النووية النظيفة وتقنيات تكنولوجية حديثة مقابل شيء
واحد هو تسليم جميع السود في أمريكا إلى الفضائيين، ومن الواضح بأن مغزى القصة هو
أن الشعب الأمريكي والنظام السياسي فيها يودون لو فعلوا ذلك حقيقة وتخلصوا من جميع
السود، إن ديريك بيك كاتب هذه القصة هو محام وأستاذ جامعي وناشط في الحقوق
المدنية، وهو أول أستاذ قانون أمريكي من أصول أفريقية دائم في كلية الحقوق في
جامعة هارفارد، ويعتبر من مؤسسي نظرية العنصر النقدية كما ذكرنا.
Richard
Posner
Alex
Kozinski
-
يرى كل من Daniel
Farber و Suzanna Sherry أن كلا من نظرية العنصر النقدية والنسوية النقدية والدراسات
القانونية النقدية مشوبة بدعوات معادية للسامية والآسيويين، وبأنها تتضمن دعوات
مناهضة للمجتمع الديمقراطي.
-
كتب Henry Louis Gates Jr. – مؤرخ وناقد أدبي ومفكر أمريكي – تقييما نقديا لنظرية
العنصر النقدية، وبين من خلالها كيف تم استغلال القوانين المضادة لخطاب الكراهية
والتشريعات التي تتعلق بحرية التعبير في الحرم الجامعي، كيف تم استغلالها لتعزيز
الخطاب ضد البيض، وذلك خلافا لنوايا منظري وأصحاب نظرية العنصر النقدية فـ «خلال
السنة التي دخل فيها قانون Michigan بشأن التعبير حيز النفاذ، تمت إدانة أكثر من
عشرين أسود من قبل البيض ب[ارتكاب جريمة] خطاب الكراهية، وكما يلاحظ Trossen فإنه ليس هنالك حالة واحدة تم فيها معاقبة خطاب عنصري أبيض».
Henry
Louis Gates Jr.
-
كتب المحامي Jeffrey
J. Pyle في مجلة كلية الحقوق
الأكاديمية الصادرة عن جامعة بوسطن: «يهاجم منظرو نظرية العنصر النقدية أسس النظام
القانوني الليبرالي [الكلاسيكي]، بما في ذلك نظرية المساواة والتسبيب القانوني
وعقلنة التنوير والمبادئ المحايدة للقانون الدستوري، إن هذه القيم الليبرالية – التي
يزعمونها – ليس لها أساس رصين من حيث المبدأ، وإنما هو مجرد بنى اجتماعية محسوبة
لشرعنة سمو العنصر الأبيض، إن سيادة القانون – وفقا لمنظري نظرية العنصر النقدية –
هي مقدمة فاسدة للحكومة ذات المبادئ، وقد فقدوا صبرهم على المقدمات الفاسدة».
Jeffrey
J. Pyle
-
يعتبر Peter Wood نظرية العنصر النقدية «أيدولوجيا مظلمة» و
«سخافة»، فهو يرى أن العقيدة المركزية لعنصرية الأبيض في النظام القانوني الأمريكي
قد تم عرضها بطريقة خاطئة بسبب قضايا مثل: التعديل الرابع عشر على دستور الولايات
المتحدة the 14th
amendment وقوانين حقوق التصويت
وقضية Brown v. board of
education.
تفرعات نظرية العنصر النقدية
ظهرت تفرعات عديدة لنظرية العنصر النقدية
لمعالجة حالات التمييز العنصري غير تلك الواقعة بين البيض والسود، ولمعالجة
التقاطع ما بين الأسس المختلفة للتمييز، ومن تلك التفرعات نسوية العنصر النقدية، ودراسات
العنصر النقدية اللاتينية، ودراسات العنصر النقدية بشأن الأمريكان ذوي الأصول
الآسيوية الجنوبية، ودراسات العنصر النقدية بشأن الأمريكان الهنود (والتي تسمى
أحيانا بدراسات العنصر القبلية)، كما تم تطبيق منهجية نظرية العنصر النقدية
وإطارها التحليلي على دراسة مجاميع المهاجرين البيض، كما أخذت دراسات العنصر
النقدية تتسع لتدرس العنصرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
تعليقات
إرسال تعليق