قانون الوحدة الوطنية لا يحمي الوافدين - المحامي علي العريان








ثار الجدل القانوني مؤخرا، وكردة فعل اتجاه المطالبة بتطبيق المرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2012 في شأن حماية الوحدة الوطنية على النائبة صفاء الهاشم بسبب مواقفها اتجاه الجاليات الوافدة المقيمة في دولة الكويت، ولا شك بأن السؤال المطروح حول مدى انطباق القانون المذكور عليهم مهم وذو فائدة عملية كبيرة، ولا نملك له إجابة من واقع الأحكام والسوابق القضائية بسبب عدم عرضه على المحاكم الكويتية حتى اليوم.

وبالرجوع إلى نص القانون ومذكرته الإيضاحية يمكننا أن نلاحظ أن المادة الأولى منه جاءت عامة في صياغتها، حيث حظرت القيام أو الدعوة أو الحض على كراهية أوازدراء أي فئة من فئات المجتمع أو إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب ديني أو جنس أو نسب أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض، و يلاحظ في هذا النص أن العبارات جاءت عامة غير مقيدة بالجنسية الكويتي، فكلمة (مجتمع) و(عرق) و(جماعة) و(أصل) كلمات عامة تنطبق على الوافدين كما تنطبق على المواطنين، فالمجتمع في الكويت يتكون من وافدين ومواطنين، ولا يجوز أن لا نعتبر الوافدين من فئات المجتمع.

ولكن، ومن ناحية أخرى، عندما نلاحظ عنوان القانون أولا، فإننا نلاحظ أن المشرع قد عنونه بأنه قانون (في شأن حماية الوحدة الوطنية)، ولا شك بأن الجاليات الوافدة لا يمكن أن تدخل ضمن إطار الوحدة الوطنية لأنها مشروطة بالتمتع بحق المواطنة والجنسية الكويتية.

علاوة على ذلك فقد جاءت المذكرة الإيضاحية حاسمة وواضحة بهذا الصدد، ويجب أن نشير هنا إلى أن المذكرة الإيضاحية هي تفسير تشريعي ملزم وضع بذات طريقة وإجراءات وضع القانون نفسه، وبالتالي فلا قيمة للقول بعدم إلزاميتها وحجيتها، وقد أوردت هذه المذكرة عدة نصوص تدل على حصر نطاق الحماية القانونية التي يسبغها قانون الوحدة الوطنية على المجتمع الكويتي فقط دون الجاليات الوافدة المقيمة في دولة الكويت، ومن تلك النصوص:

"ولما كانت الكويت وطن جميع من يحمل جنسيتها لا تمييز بينهم بسبب الدين أو القبيلة أو الطائفة أو المذهب، وأنها بجميع طوائفها ترفض كافة أشكال العنصرية التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وتهديدا للسلم والأمن الاجتماعي ...".

"كانت مصلحة الدولة العليا تستوجب الإسراع في إصدار تشريع يعمل على حماية الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي للمجتمع الكويتي في ضوء ما كشف عنه التطبيق لا سيما أثناء حملات الدعاية الانتخابية والتي سوف تصاحب الانتخابات القادمة من تفشي النعرات الطائفية والقبلية أحيانا التي تضر بالوحدة الوطنية، الأمر الذي يستوجب ضرورة الإسراع في مواجهتها بصورة حاسمة، فقد أعد المرسوم بقانون المرافق تحقيقا للمصلحة العامة وتأكيدا للمساواة بين البشر تحقيقا للسلم والأمن وحماية للوحدة الوطنية".

ثم رفعت المذكرة الإيضاحية غموض المادة الأولى التي أشرنا إليها، فوصفت المجتمع محل الحماية بالمجتمع الكويتي، دون غيره، حيث نصت على ما يلي:

"وقد حظرت المادة الأولى منه القيام أو الدعوة أو الحض بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها في المادة 29 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع الكويتي ..الخ".

وبمراجعة الظروف والملابسات التي أصدر فيها المرسوم بقانون والذي هو من لوائح الضرورة، نجد أنها كانت فترة تعمها الخلافات السياسية والاجتماعية بين أفراد المجتمع الكويتي، بما حقق ضرورة إصدار هذا المرسوم في فترة غياب مجلس الأمة، وهو ما أكده الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بهذا الصدد كما نصت عليه المذكرة الإيضاحية، مشيرة إلى أن من بين السلوكيات التي يسعى هذا المرسوم بقانون إلى الحد منها ما يروج أثناء فترات الحملات الانتخابية، ولا شك بأن هذا النص دليل آخر على أن المصلحة محل الحماية هي وحدة المجتمع الكويتي فقط دون الجاليات الوافدة، لعدم تمتع الأخيرة بحق الترشح والانتخاب.

ومما يدل على انحصار نطاق القانون بالمجتمع الكويتي، أنه نص جنائي لا يجوز التوسع في تفسيره إعمالا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بل وكلما ثار شك حول تفسيره لزم أن يحمل المعنى على الوجه الذي يصب في صالح المتهم، بما مؤداه تضييق نطاق المصلحة محل الحماية بموجب هذا القانون.

ولا عيب في أن تختص قاعدة قانونية بتنظيم شئون ذوي جنسية معينة وحماية مصالحهم، إذ أن الجنسية مركز قانوني، ولا يخل تنظيم القاعدة القانونية لشئون أصحاب جنسية محددة دون غيرهم بعموميتها وتجريدها، فمن ناحية أخرى نجد القانون يتشدد في العقوبة مع الكويتيين دون غيرهم، كما هو الحال مثلا في المادة الأولى من قانون أمن الدولة التي نصت على معاقبة الكويتي الذي يرفع السلاح على الكويت بعقوبة الإعدام، وهو تشدد له أسبابه السائغة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان