قبل أن تبدأ دراسة ماجستير القانون .. اقرأ نصيحتي هذه - المحامي علي العريان








ما يدفع الأغلبية الساحقة منا إلى الانخراط في برامج الدراسات العليا هو الحصول على مسمى الشهادة فقط واللقب، أو تأدية واجب وظيفي، بما يؤدي إلى المزيد من الامتيازات الاجتماعية والمالية، ولكن القلة القليلة منا تتساءل قبل أن تختار برنامج الدراسات العليا الذي تريد الالتحاق به عن هدفها من ذلك، وعن فلسفة الدراسات العليا بوجه عام وعن أنواع البرامج الأكاديمية المتاحة وعن طبيعة وأنواع شهادات الماجستير والدبلوم العالي.

أتحدث هاهنا عن مجال القانون باعتباري متخصصا فيه، فلا بد لمن يريد أن يلتحق ببرنامج الماجستير أو الدبلوم العالي أن يحدد أولا فيما لو كان يهدف لأن يصبح باحثا أكاديميا أم أن يستفيد من ذلك البرنامج في حياته المهنية كمحام أو قاض أو باحث قانوني أو محقق أو غير ذلك، فهنالك فرق شاسع بين الهدفين، إذ أن هنالك نوعين من برامج الدراسات العليا – نادرا ما نجد الجامعات تفرق بينهما بشكل واضح – ، النوع الأول هو البرامج التي تهدف إلى إعداد الباحث الأكاديمي، وهذه قد تقدم موادا دراسية بعيدة كل البعد أحيانا عن الواقع العملي وفيها توغل وغوص في البعد النظري والتنظيري والفقهي، بينما النوع الثاني هو البرامج المهنية التي تقدم ما يحتاجه المهني أو الموظف في مهنته أو وظيفته لكي يتطور ضمن ذلك الإطار.

وبمناسبة الحديث عن البرامج المهنية، والتي تكون غالبا عبارة عن برامج الدبلوم العالي لا الماجستير، فثمة بديل يطرح أحيانا وهو الدورات المهنية، ويلاحظ على الدورات المهنية غلبة الطابع الربحي التجاري عليها وعدم جديتها غالبا، ولكن تتميز من ناحية أخرى بأنها أكثر مواكبة للتطورات من برامج الماجستير والدبلوم العالي خصوصا في البلدان العربية، حيث تجد أحيانا دورات مهنية في مستجدات القانون والمسائل المعاصرة، ولا تجد برامج دراسات عليا تتناول ذلك، كما أن الدورات المهنية مناسبة لمن لا يملك الوقت الكافي للانخراط في برامج الدراسات العليا التي تستغرق وقتا أطول وجهدا أكبر نسبيا.

من الأمور التي لا يتأمل فيها كثير ممن يلتحقون ببرامج الدراسات العليا القانونية هي حقيقة شغفه الشخصي ومجال اهتمامه في القانون، حتى أنني وجدت بعض الفائقين من القانونيين يلتحق ببرنامج ويختار مواد دراسية دون أن يعرف مضمونها، اكتفاء منه بعنوان المادة أو البرنامج، فمن الضروري أن تعرف طبيعة مضمون البرنامج الذي ستلتحق به لكي لا تفاجأ لاحقا بعدم مناسبته لرغبتك ولشغفك.

يمكن أن ندون أيضا ملاحظة محبطة في عالمنا العربي التعيس، فأغلب الجامعات العربية – إن لم تكن جميعها – تخير طالب القانون ما بين ماجستير القانون العام وماجستير القانون الخاص، وحتى تلك الجامعات التي توفر برامج الدبلوم العالي المتخصصة – مثل الجامعات المصرية وهي متفوقة في ذلك من حيث عناوين البرامج ولا علم لي بجودة مضمونها – فإنها تلزم الطالب بالحصول على دبلوما أخرى في القانون العام أو الخاص، بوجهة نظري فهذا التوجه هو تضييع لوقت الطالب وجهده، إذ قد يكون الطالب في هذه المرحلة شغوفا بمجال قانوني محدد، وهذا هو الحال غالبا، فيجبر ويكره على دراسة مجالات قانونية أخرى بتعمق وتركيز، فلماذا أجبر الطالب الذي يريد أن يتخصص في قانون الشركات مثلا على دراسة القانون المدني والمرافعات والقانون الدولي الخاص وفلسفة القانون وقانون التجارة الدولية، علما بأنه لا يدرس القواعد العامة فحسب في هذه المجالات وإنما يركز على موضوع محدد فيها يبحثه ويدرسه بتعمق وهو ما يعرف بـ (الكور الخاص)، بينما لو كان الطالب قد حصل – بدلا عن ذلك – على مواد متعددة في قانون الشركات فقط لأصبح ضليعا ومتعمقا ومتمكنا من مجال شغفه فور تخرجه من البرنامج، في المقابل نجد الجامعات الغربية قد تجاوز ذلك بأميال، حيث أنها تقدم برامج متخصصة غاية في الروعة ويكاد يصبح لديها ما يعرف ببرنامج القانون الخاص والقانون العام شيئا من الماضي – رغم أن بعض الجامعات الغربية لا زالت تقدم ذلك - ، فنجد في جامعات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة برامج في قانون الطاقة والنفط والغاز والرياضة والترفيه والشركات والأعمال والضرائب والعقوبات والقانون الطبي وقانون التأمين وأسواق المال وغيرها من البرامج التخصصية الرائعة، بينما لو أراد الطالب الدراسة في الجامعات العربية فهو سيصطدم ببرامج القانون الخاص والقانون العام.

من الجوانب الأخرى المهمة في الدراسات العليا القانونية هي مدى الحرية التي يتمتع بها الطالب في تشكيل برنامج دراسته، ففي الجامعات الغربية تتاح للطالب خيارات كثيرة ومتعددة وذلك بفضل الإمكانيات التي تتمتع بها تلك الجامعات، وأهم تلك الإمكانيات هي وجود العدد الكافي من الأساتذة والمعلمين، ووفرة المواد الدراسية، فيمكن للطالب أن يشكل برنامج دراسته حسب ذائقته واهتمامه، وهو ما يضفي متعة بالغة على الدراسة، ويبقى دور الجامعة في تحديد الخطوط العريضة للبرنامج، وأما الجامعات العربية فهي على النقيض تماما، حيث تعاني من نقص الإمكانيات والكوادر، وبالتالي فهي تجبر الطالب على برامج محددة، وغالبا ما تكون هنالك مواد دراسية لا تمت لاهتمامات الطالب ولا لغاياته العلمية ولا العملية بصلة، بل إن الطالب في بعض الجامعات العربية يجبر على دراسة مواد اختيارية محددة لعدم توفر البدائل.

لقد قال لي أحد أساتذة القانون بحق بأن الدراسات العليا قد تكون معيقة لمسيرة الشخص العلمية والعملية، وبعد تجربة واقعية أدركت بأن مقولته هذه صحيحة للغاية، فإذا كان الشخص مهتما بمجال معين، سيجد نفسه يبذل الأوقات الطائلة والجهود المضنية في دراسة مواد لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا ترتبط بغاياته لا من قريب ولا بعيد، ولذا فمن الشجاعة الأدبية والنفسية أن يكون الفرد موضوعيا مع ذاته وأن يرفض البرامج المضيعة لوقته وجهده، حتى لو حصلت له فرصة لنيلها مجانا، وأن يسعى إلى هدفه بشكل مباشرة وسريع، إذ أننا وجدنا العديد من الزملاء مثلا ممن يهوى العمل السياسي والحديث في القانون الدستوري، قد التحق وأنهى الماجستير والدكتوراه في مجالات بعيدة تماما عن ذلك مثل براءة الاختراع وحقوق المؤلف أو قانون المرافعات، وكان أجدر به أن يتخصص في القانون الدستوري والنظم السياسية.

من الأمور المزعجة أيضا في الجامعات العربية هي ندرة المصادر، وذلك لأن الكتابات العربية الأخيرة أصبحت غالبا تجتر ما كتب وترجم في فترات زمنية سابقة، ولو أراد الطالب أن يأتي بجديد فعليه أن يرجع إلى قواعد البحث الأجنبية، وكثير من الجامعات العربية لا توفر قواعد البيانات هذه بسبب تكلفتها العالية، كما أن هنالك نقصا شديدا في الكتب القانونية الأجنبية في المكتبة العربية، وأنا هنا أتحدث عن الكويت – وهي الدولة الغنية والثرية خصوصا – ولا أظن بأن سائر الدول العربية الأخرى أفضل منها حالا.

الأمر الجيد أن كثيرا من الجامعات الغربية أصبحت تتيح فرصة دراسة الماجستير أو الدبلوم العالي عن طريق الانترنت، ولا تزال البيروقراطية الحكومية المتخلفة في الدول العربية لا تعترف بهذا النمط من الدراسة رغم أن هذه البرامج تتجاوز برامج الجامعات العربية بسنوات ضوئية، ومع ذلك فمن يرغب بتطوير ذاته والدفع بمسيرته المهنية في القطاع الخاص وبعيدا عن التخلف الحكومي فتظل برامج الدراسات عن بعد خيارا متاحا، ومن المواقع الالكترونية الجيدة التي تساعد الطالب القانوني في الحصول على البرنامج المناسب له هو موقع London.ac.uk

ومن الملاحظات المفيدة للقانونيين الراغبين في الالتحاق ببرامج الدراسات العليا، أن لا يحصروا أنفسهم في مجال القانون بالضرورة، فبإمكان من لديه ليسانس في القانون أن يلتحق في مجالات أخرى مرتبطة في الدراسات العليا مثل اللسانيات أوالاقتصاد أو الفلسفة أو علم الاجتماع أو الإدارة أو التمويل أو غيرها، ويزاوج ما بين المعرفة القانونية وتخصص آخر، ومن ينحو هذا المنحى هم المبدعون والجريؤون عادة، حيث أن أبحاثهم غالبا ما تثمر ثمارا جديدة لم يسبقهم إليها غيرهم، مثل أبحاث الترجمة القانونية وطرق دراسة القانون وهرمونيطيقا القانون.

أخيرا فإني أوصي كل من يرغب بالالتحاق في برامج الدراسات العليا القانونية سواء كانت ماجستير أو دبلوم عالي أن يحدد هدفه من الدراسة، هل يريد أن يصبح باحثا أكاديميا وفقيها أم أنه يريد أن يطور مسيرته المهنية، وبالتالي فيلتحق بالبرنامج المتناسب مع هدفه، وثانيا فإني أوصيه بأن يلتحق بالبرامج المتخصصة ويبتعد قدر المستطاع عن البرامج العامة (ماجستير القانون، ماجستير القانون العام، ماجستير القانون الخاص)، وثالثا على الطالب التأني في الالتحاق ببرامج الدراسات العليا، حيث عليه أن يتعرف على مجال شغفه أولا، فإن لم يكن متأكدا فعليه أن يقضي بعض السنوات في العمل والممارسة الميدانية لكي يفهم توجهاته المهنية والعلمية، فالتأخر في الالتحاق ببرامج الدراسات العليا خير من الالتحاق ببرنامج بعيد عن شغفك وهدفك، وأخيرا فعلى الطالب أن يكون فكرة جيدة عن طبيعة البرنامج الذي سيلتحق به وهيكليته، وطبيعة كل مادة سيختارها، ولا ينبغي عليه أن يكتفي بعناوين المواد بل عليه أن يقرأ نبذة عن مضامينها قبل أن يختارها.

تعليقات

  1. بارك الله فيك وأمنك في مسعاك اخي الكريم
    اود لو اني استطيع التواصل معك لغرض الاستفسار والتوجيه

    ردحذف
  2. جزاكم الله خيرا مقال جميل جدا واريد معرفة مكاتب الدراسة بالخارج في مصر

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان