المناهج التعليمية في كليات القانون الكويتية .. ملاحظات نقدية - بقلم علي العريان



 

وأنا على مشارف الجزء الأخير من السنة الأخيرة في كلية القانون وددت أن أسطر هذا المقال مسجلا فيه بعض ملاحظاتي العامة بشأن المناهج التعليمية في كليات القانون في الكويت بشكل عام ، و التي خضت فيها وخبرتها خلال السنوات الأربع الماضية ، فرغم أن العلوم القانونية علوم أدبية لا يتطلب تطوير المناهج فيها ذاك الجهد المطلوب في العلوم التجريبية والتخصصات العلمية إلا أننا نجد عيوبا مريعة وشنيعة في أغلب المناهج الجامعية أوجزها فيما يلي:

1- كثرة الأخطاء المطبعية والإملائية و النحوية و سوء الإخراج و التنظيم والتبويب

2- التكرار عديم الجدوى للمواضيع بما يضيع جهد الطالب ووقته ، فبعض المناهج المكتوبة في مئات الصفحات يقوم الطلبة بتلخيصها في صفحات قليلة دون إخلال بالمعاني بسبب كثرة التكرار فيها

3- عدم مراجعة بعض الكتاب وعدم تحكيمها وهو ما يستشف من كثرة الأخطاء القانونية فيها والتهافت والتناقض بين عبارات الكتاب و عدم الدقة في التعبير و بتر بعض المواضيع دون تكملتها بما يدل على أن الكتاب لم يراجعه مؤلفه ولم يحكمه غير المؤلف كذلك قبل طباعته وفرضه على الطلاب.

4- السرقة العلمية و النقل الحرفي دون إشارة إلى المصدر ، و قد ذهلت لكثرة تفشي ذلك لا بين الأساتذة المبتدئين فحسب بل حتى بين بعض الأسماء اللامعة في عالم القانون في الكويت كذلك ، و نحن ننأى عن الاستشهاد بالأمثلة – والتي نملك منها العديد – لتجنب التجريح بالشخوص .

5- طرح الكتب التعليمية بأسلوب توجيهي ، فتجد الذوق السياسي والمواقف الشخصية واضحة مثلا في بعض كتب القانون الدستوري ، وذلك دون عرض الآراء المقابلة بما يوهن التفكير النقدي لدى الطالب و ينشئ منه متلقيا موجها يتخذ من الرأي الفقهي والاجتهاد القانوني عقيدة نهائية.

6- الإيغال في الآراء الفقهية أحيانا على حساب معرفة القانون ، و تجد ذلك جليا في تدريس مادة الأحوال الشخصية مثلا ، حيث يقضي الطالب وقته في دراسة آراء الفقهاء دون أن يعرف حكم القانون في نهاية المطاف غالبا ودون أن يلقي أدنى نظرة على أحكام محكمة التمييز ودون أن تكون لديه أدنى فكرة عن التطبيقات العملية للقانون في ساحات المحاكم ، بينما ترى في بعض المواد الأخرى تركيزا على معرفة القانون دون أية إشارة إلى الأساس الفقهي والفلسفي لهذه القوانين ومع إهمال تام للإشارة إلى الفقهاء والفلاسفة الذين أسسوا وأصلوا لهذه النظريات ، و لعل الخلل الأخير يتسامح فيه في مرحلة الليسانس دون الأول .

7- الاعتماد على أسلوب الحفظ و التلقي دون تعزيز قدرات البحث والتفكير النقدي ، فالمواد التي يفترض أن تعزز ذلك وهي مواد (قاعة البحث) مواد جزئية وهامشية و صورية في غالب الأحيان.

8- تدريس بعض المواد التي لن يستفيد منها طالب القانون استفادة معتبرة في حياته المهنية والعلمية مثل مواد الثقافة العامة وبعض المواد القانونية التخصصية مع إهمال مواد قانونية أساسية ومهمة واعتبارها موادا اختيارية أو عدم طرحها أصلا كجزء من البرنامج التعليمي.

9- تنسيق وتحرير المناهج التعليمية بأسلوب الكتاب التقليدي ، و يمكن معرفة ذلك بمقارنة تنسيق وتحرير مناهجنا الدراسية في كليات القانون مع مناهج أكسفورد وهارفارد مثلا لمعرفة البون الشاسع بين الاثنين.

10- عدم التمييز والتفرقة بين الكتب الدراسية المناسبة لتدريس مرحلة الليسانس والكتب المناسبة لمرحلة الماجستير والدكتوراه ، فتجد مثلا كتب القانون الإجرائي للعلامة الدكتور عزمي عبد الفتاح لا تناسب طالب مرحلة الليسانس بكل ما فيها من إسهاب وتفصيل وتعقيد ، ولعل المعضلة التي تواجه بعض الأساتذة عدم وجود كتاب أقل إسهابا وأقل تعمقا وأيسر طرحا لتدريسه ، مما يثير المسؤولية ويلقيها على عاتق أساتذة الجامعات في تأليف الكتب المناسبة.

11- يصر بعض الأساتذة والجامعات على تدريس الكتب التي صنفوها هم بأنفسهم أو طبعوها لحسابهم رغم ركاكة بعضها وكثرة الأخطاء فيه وذلك لدواع مادية بحتة ، و قد تحدث عن هذه الظاهرة وانتقدها العديد من الأساتذة الآخرون في الإعلام و في ساحات الجامعات ، و هي ما نعتقد أنه سلوك مادي استغلالي تجاري غير أخلاقي يمارسه بعض الأساتذة وبعض الجامعات على حساب الجودة التعليمية ومصلحة الطالب ، خصوصا وأن تلك الكتب تباع على الطالب عادة بأضعاف ثمنها الفعلي.

12- إهمال وتجاهل التدريب العملي على فن المرافعة و إجراءات التقاضي والتدريب الميداني بشكل كامل.

 

ولا شك بأن هذه السلبيات لا تنطبق جميعها على كلية معينة أو كتاب معين أو أستاذ محدد ، فهنالك مناهج جيدة كما أن هنالك إيجابيات كثيرة لمسيرة التدريس القانوني في الكويت ، إلا أنني رغبت أن أسجل هذه الملاحظات في هذه المرحلة من مراحل مسيرتي العلمية لعل يكون فيها ما يلفت أنظار الأساتذة والقانونيين إلى ما يمكن تطويره وتحسينه في المستقبل ، والذي يمكن أن نوجزه بالمقارنة بين ما هو كائن و هي مناهجنا الحالية و ما يجب أن يكون وهو ما يمكن أن نمثل له بالمناهج الدراسية في الكليات المرموقة مثل أكسفورد وهارفارد مثلا والتي يعمل فريق كامل ومراكز متخصصة على إعدادها و يستغرق تأليفها ومراجعتها وتحريرها وقتا وجهدا وأموالا طائلة ، إلا أنها مستحقة في وجهة نظرنا ، هذا و الله ولي التوفيق.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان