البقاء للأسمن - بقلم علي العريان



 
 

"البقاء للأسمن" هو الاسم الحقيقي للمنحوتة التي تداولت صورها في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "العدالة تسير فوق أكتاف الفقراء" ، والتي نحتها كل من النحات الدانيماركي Jens Galschiøt و Lars Calmar ، و تجسد المنحوتة – التي نحتت عام 2002 – امراة غربية سمينة ضخمة يحملها صبي أفريقي فقير بجسم نحيل جراء التضور جوعا ، وتحمل المرأة السمينة بيدها اليمنى ميزانا يرمز للعدالة بينما عيناها مغمضتان بدلالة تم تفسيرها على أنها عدم الرغبة في مشاهدة الظلم البين و المصلحية الذاتية في نظام العدالة والقانون ، فاللوحة إذن ترمز إلى عدم التوازن في توزيع الثروة والموارد و تشريع القانون بما يحمي مصالح الأغنياء و الأقوياء.

فالمنحوتة هي رسالة إلى الأغنياء المترفين من البشر الذين أتخمتهم السمنة وكثرة استهلاك الموارد بينما يتضور آخرون في أفريقيا والدول الفقيرة جوعا و لا يجدون قوت يومهم ، و كأنها تجسد قول الإمام علي بن أبي طالب (ع) : (( إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما متع به غني ، أو بما منع منه غني ، والله تعالى سائلهم عن ذلك )) ، فبسبب انعدام العدالة في توزيع موارد العالم يعيش أغلب الناس في الدول الغربية حياة ترف وراحة وتخمة بسبب نظام التجارة الدولية الظالم و الذي يفرض قيودا تقصي الدول الفقيرة من الأسواق الغربية.

·       عرض المنحوتة في مؤتمر التغير المناخي الخامس عشر:


النحات الدانماركي Jens Galschiot 

قام النحات الدانماركي Jens Galschiot في مؤتمر التغير المناخي الخامس عشر الذي عقد عام 2009 في كوبنهاغن بعرض سبعة من أعماله الفنية تحت اسم "سبعة أمتار" sevenmeters ، وقد أسمى أعماله بهذا الاسم لأنه يعتقد بأن منسوب المياه في الكرة الأرضية سيرتفع 7 أمتار إذا أدى الاحتباس الحراري إلى ذوبان كل الجليد في الجرينلاند (الأرض الخضراء) والتي هي أكبر جزيرة في العالم و هي بلد عضو في مملكة الدانمارك ، وعلى كل فقد كانت لوحة (البقاء للأسمن) إحدى الأعمال الفنية السبعة التي تم عرضها في المؤتمر ، حيث نصبت في ميناء كوبنهاغن إلى جنب النصب الشهير (الحورية الصغير) الذي يزوره حوالي مليون سائح سنويا ، و قد قصد من وضعه إلى جانب تمثال الحورية الصغير أن يشاهده أكبر عدد ممكن من الزوار مما يوصل الرسالة إلى العالم ، كما قصد من ذلك الإشارة إلى أن جهود الأمم الغنية وأهدافها في مؤتمر محاربة التغير المناخي ليست إلا حكاية خرافية fairy tale كتلك الحكاية الخرافية التي استوحي منها تمثال الحورية الصغيرة.


·       البقاء للأسمن و البقاء للأقوى:
 و واضح أن اسم المنحوتة مقاس على قاعدة دارون المشهورة في نظرية التطور "البقاء للأقوى" ، و الربط بين المفهومين ليس بالأمر الصعب ، إذ بينما تفسر جملة من المنظومات الفلسفية حركة التاريخ و التطور على أساس العدالة في مقابل الظلم ، تقوم نظرية دارون بتفسير ذلك على أساس القوة في مقابل الضعف ، فمن يضع القانون إنما يضعه لأنه قوي و بهدف تحقيق مصالحه تحت إطار مشروعية استطاع أن يصنعها بما يملك من سلطة و قوة ، فالنظام القانوني ككل قد وضع لحماية وخدمة الأقوياء ، و مفهوم العدالة تصوغه الآلات الإعلامية و المراكز العلمية التي يلكها الأقوياء والأغنياء ويمولونها.

·       تيار الدراسات القانونية النقدية Critical legal studies movement:

 تذكرني هذه اللوحة بما درسناه في مادة (فلسفة القانون) و تحديدا تيار الدراسات القانونية النقدية و الذي يرى بأن القانون ليس إلا ضربا من ضروب العمل السياسي الاجتماعي المنحاز غير الموضوعي و الذي يخدم مصالح الأقوياء ، و أن الحكم القضائي ليس إلا حكما سياسيا يفتقد الموضوعية ، فالمؤسسات القانونية – بحسب وجهة نظر هذا التيار – تقوم على المصالح المخفية و السيادة الطبقية .

تعليقات

  1. أضاءه تستحق الاهتمام والاحترام
    لقد وضعت النقط على الحروف
    وأزلت كل تسويف وتحريف
    لقد طال المنحوتة التظليل وقد ازلتة بالدليل
    فشكر لك يا اصيل

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان