شركات نصابة تحت مظلة القانون - المحامي علي العريان

 

تنتشر في الكويت وتكاد تكون ظاهرة تلك الشركات الصغيرة التي تؤسس ويكون مقرها مكتب مستأجر لا تتجاوز مساحته أمتارا مربعة قليلة تم استئجاره بغرض استصدار الترخيص فقط، ثم تقوم الشركة بالتعاقد مع مئات أو آلاف الزبائن، وبعد فترة قصيرة تختفي فجأة، ويعود ذلك إما إلى أن تلك الشركات كانت مؤسسة ابتداء بغرض النصب والاحتيال أو أن شبابا أغرارا قاموا بتأسيسها ثم تكاسلوا عن العمل ولم يستطيعوا تحمل كمية التعاقدات التي أبرموها بسبب كسلهم أو سوء تقديرهم وقلة خبرتهم في الأعمال.

أيا كانت الأسباب، فعندما تقوم برفع دعوى ضد تلك الشركات فلن تجد لها مقرا ولا مستودعا، وسيخرج مندوب الإعلان إلى مقرها وربما إلى عناوين أخرى لها ليعود بخفي حنين، حتى إذا ما أردت أن تقاضي مديرها، فإنك ستجد أنه كان وافدا وقد غادر البلاد، أو أنه شخص متقاعد كبير في السن لا ناقة له في الموضوع ولا جمل.

في الواقع، فإن مثل هذه الشركات هي مشاريع نصب واحتيال أو تكاد تكون كذلك، إلا أنك إذا لجأت إلى وزارة الداخلية لتقدم شكوى نصب واحتيال فسيقال لك عاجلا – عند تقديم الشكوى – أو آجلا – حين تفصل المحكمة فيها – بأن المنازعة بينك وبين الشركة مدنية ولا تنطوي على شبهة جنائية ولا تشكل جريمة نصب واحتيال، لأن علاقتك بها تعاقدية، وغاية الأمر أن الشركة قد نكلت عن تنفيذ التزامها التعاقدي بعد أن قبضت من الزبون الأموال.

في الواقع فإن مثل هذه الحالة منتشرة جدا في الكويت، وربما تصدر المحكمة حكما مدنيا نهائيا لصالح الزبون، إلا أنه يفاجأ بأنه حين يريد أن ينفذ الحكم الصادر لصالحه على تلك الشركة فإن ليس لها أرصدة ولا حسابات بنكية ولا ممتلكات ولا أصول ولا مقر يمكنه أن ينفذ عليه، وإن أردت أن تضع إجراءات التنفيذ كالضبط والإحضار ومنع السفر والحجز على الأموال على الشركاء فإنهم سيتمسكون بمحدودية مسئولية الشركة، لأن تلك الشركات هي ذات مسئولية محدودة غالبا أو شركات شخص واحد، وإن أردت أن تضع إجراءات التنفيذ على مديرها فإنك ستجده قد غادر البلاد، ولم يترك وراءه سوى غبار الهرب.

هذه الحلقة المفرغة لا بد وأن توجد لها وزارة التجارة حلا، وفيما يلي بعض المقترحات التي أرى أن بالإمكان تفعيلها لمعالجة هذه المشكلة:

-      تفعيل الدور الرقابي لوزارة التجارة والصناعة وخصوصا إدارة السجل التجاري للتأكد من صحة عنوان الشركة، وذلك لكي يتمكن المتقاضون من الوصول إلى تلك الشركات وإعلانها بالدعاوى القضائية، فقد ألزمت الفقرة (2) من المادة (6) من القانون رقم (18) لسنة 2018 بشأن السجل التجاري كافة الشركات والتجار بالتأشير بأي تغيير أو تعديل يطرأ على بيانات القيد التجاري خلال ثلاثين يوما من تاريخ تحقق التغيير، وعلى الرغم من هذا الالتزام الذي نص عليه القانون إلا أننا نجد مئات الشركات التي يكون عنوانها الفعلي في مكان بينما هي مسجلة على عنوان آخر في السجل التجاري، أو أنها مغلقة أصلا ولا زالت مسجلة، وقد حددت المادة (2) من قرار وزارة التجارة والصناعة رقم (580) لسنة 2018 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم (18) لسنة 2018 في شأن السجل التجاري حددت البيانات الواجب تقييدها في السجل التجاري، ومنها عنوان المحل الرئيسي وكافة عناوين الفروع والوكالات التابعة له سواء كانت في الكويت أو في الخارج وكذلك كافة المحال المملوكة للتجار في دولة الكويت، وفي حال تخلف الشركة عن الالتزام بالتأشير بتعديل العناوين والبيانات في السجل التجاري تتوجب إحالة مديرها إلى النيابة العامة، لأن ذلك تعتبر جنحة يعاقب عليها بالغرامة التي لا تقل عن 1000 د.ك. ولا تزيد عن 5000 د.ك.، والجهة المختصة بالتحقيق والتصرف والادعاء في ذلك هي النيابة العامة.

-      تيسير وزارة التجارة لآلية تقديم الشكاوى من قبل الجمهور، وسعي الوزارة لعمل تحريات دائمة حول الشركات ومدى مزاولتها لأنشطة فعلية، وذلك تفعيلا لسلطة الضبط القضائي التي يتمتع بها بعض موظفي الوزارة بموجب المادة (15) من القانون رقم 111 لسنة 2013 بشأن تراخيص المحلات التجارية، وفي حال توقف تلك الشركات عن مزاولة النشاط لمدة ستة أشهر متتالية دون إبلاغ الوزارة، يتوجب على الوزارة إلغاء تراخيصها وفقا للمادة (11) من القانون سالف الذكر.

-      إلزام كل من يؤسس شركة بإيداع مبلغ على سبيل الضمان العام للدائنين، وعدم الاكتفاء برأسمال الشركة حيث أن الوزارة لا تقوم بالحجز على رأس المال كما هو معلوم واعتباره ضمانا للدائنين هو مجرد حبر على ورق وكلمات فارغة نقرؤها في كتب قانون الشركات.

-      مقاضاة مدير الشركة بشخصه وبصفته، وعدم الاكتفاء بمقاضاته بصفته، وذلك بناء على القواعد التي قررت المسئولية الشخصية للمدير وفقا لقانون الشركات، ولإخلاله بالالتزامات المقررة عليه في قانون التجارة، إذ أن مثل هذه الشركات الصغيرة نادرا ما تلتزم بإمساك الدفاتر والفصل بين حسابات الشركة وحسابات الشركاء الشخصية وغيرها من الالتزمات التي يفرضها القانون بما يؤول إلى قيام المسئولية الشخصية للمدير عن تلك المخالفات.

-      تقديم شكوى إلى هيئة المعلومات المدنية تمهيدا لتحريك الدعوى الجزائية من قبلها بشأن أي مدير لتلك الشركات لا يقوم بتعديل بياناته الشخصية وفقا لما يلزمه به قانون نظام المعلومات المدنية، وذلك لمكافحة ظاهرة إعاقة الإعلان بسبب الخطأ في العنوان، والتلاعب بالعناوين الشخصية وعناوين الشركة بغية إعاقة سير الدعاوى وعرقلة العدالة، فقد نصت المادة (12) من القانون رقم (32) لسنة 1982 بشأن نظام المعلومات المدنية على ما يلي: "مع مراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة 7 من هذا القانون يلتزم الأفراد المقيدون في نظام المعلومات المدنية بإبلاغ الهيئة عن أي تغيير في المعلومات المدنية المتعلقة بهم خلال الموعد المحدد وعلى من يتلقى البلاغ إعطاء المبلغ إيصالا بذلك بعد التحقق من شخصيته، وفي جميع الأحوال يتم الإبلاغ بواسطة صاحب الشأن أو من ينوب عنه"، ورتبت المادة (33) عقوبة على مخالفة ذلك واعتبرته جنحة يعاقب عليها عليها بالغرامة التي لا تتجاوز مائة دينار، ولا شك بأن المتضرر يستطيع أن يرجع بالتعويض المدني بسبب خطأ العنوان، وهاهنا تتضح أهمية هذا النص القانوني، فعلى الرغم من أن الغرامة ضئيلة والعقوبة بسيطة إلا أنه إن كان عدم تعديل العنوان سببا في عدم تمام إعلان الدعوى القضائية وفوات المواعيد القانونية فإن للمضرر أن يعود على الشركة ومديرها بالتعويض عن كافة ما أصابه من ضرر وما فاته من كسب، وهو ما قد يكون مبلغا باهظا.

-      مقاضاة الشركاء في حال قيامهم باستلام أرباح غير حقيقية، وإلزامهم بردها تمهيدا للوفاء للدائنين بما لهم من ديون مستحقة على الشركة.

-      اتخاذ وزارة التجارة والصناعة للإجراءات التي نص عليها قانون الشركات بشأن حل وتصفية الشركة، حيث أننا نلاحظ أن كثيرا من الشركات التي لا تزاول أي نشاط تبقى قائمة وفقا لسجلات الوزارة دون أن تتخذ إجراءات الحل والتصفية.

-      اكتفاء المحكمة بالإعلان وفقا للعنوان الرسمي للشركة المقيد في السجل التجاري، ووفقا للإعلان الرسمي لمدير الشركة المقيد في هيئة المعلومات المدنية، وعدم تحميل المتقاضي مسئولية السعي للبحث عن العنوان الفعلي للخصوم، وذلك بإلزامه بإعادة الإعلان أو برفض إعلان المخفر أو بمعاقبته بالوقف الجزائي للدعوى أو القضاء باعتبارها كأن لم تكن، فلا يجوز أن تستفيد الشركة ومديرها باعتبارهما مخطئين من خطئهما وفقا للمبدأ القانوني المستقر (لا يستفيد مخطئ من خطئه)، ولا يجوز أن يعاقب الزبون "المنصوب عليه" وتحمى الشركة "النصابة".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان