المحللون الماليون تحت مقصلة هيئة أسواق المال - المحامي علي العريان


ضمن الصخب الذي أثارته أزمة وباء كورونا المستجد لم تلتفت الأوساط المالية والقانونية بما يكفي إلى قرار خطير أصدرته هيئة أسواق المال ويحمل رقم (28) لسنة 2020 والذي أضاف مادتين جديدتين إلى الفصل الأول من الكتاب الخامس من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (7) لسنة 2010، وضع هذا القرار رقاب المحللين الماليين والصحفيين الاقتصاديين والمهتمين بشأن الأسواق المالية تحت مقصلة المساءلة الجنائية والتأديبية، و جعلهم عرضة للمحاكمة والعقاب، وتضمن إضافة مادتين جديدتين إلى اللائحة هما المادة رقم (1-27-1) والتي نصت على ما يلي:

"يحظر القيام بالتحليل أو الإدلاء بالتصريحات أو تقديم التوصيات أو إعادة نشرها فيما يتعلق بنشاط أو أكثر من الأنشطة الواردة في المادة السابقة ما لم يكن مرخصا له بمزاولة نشاط مستشار استثمار"

كما أضاف القرار المادة رقم (1-27-2) على اللائحة التنفيذية والتي نصت على ما يلي:

"مع عدم الإخلال بحق الهيئة في اتخاذ أي من الإجراءات المقررة لها بموجب القانون أو اللائحة أو أي قانون آخر، يكون للهيئة اتخاذ أي من الإجراءات التالية حال اكتشاف الممارسة المشار إليها في المادة السابقة والتحقق منها:

1-  نشر التحذير للجمهور من خلال الموقع الالكتروني للهيئة أو أي وسيلة أخرى تراها الهيئة مناسبة.

2-  الإحالة إلى الجهة المعنية أو النيابة العامة حسب الأحوال والاختصاص".

وقد بينت المادة (1-27) من الفصل الأول من الكتاب الخامس من اللائحة التنفيذية الأنشطة المقصودة في المادة (1-27-1) سالفة الذكر وهي:

"تشمل مهام مستشار استثمار على سبيل المثال لا الحصر الأعمال التالية:

1-   تقييم الأوراق المالية

2-  القيام بتقديم المشورة وإصدار التقارير والتحاليل للآخرين بشكل مباشر، أو عن طريق وسائل الإعلام والاتصال، فيما يتعلق بنشاط أو أكثر من الأنشطة التالية:

أ‌-  استثمار أو شراء أو بيع الأوراق المالية والمنتجات الاستثمارية.

ب‌- الاكتتاب في الأوراق المالية وعمليات طرحها وإصدارها وإدراجها.

ت‌- ممارسة أي حق يترتب على حيازة الأوراق المالية.

بالإضافة إلى تقديم أي مشورة قد تؤدي إلى التأثير على قرار المستثمرين أو المستثمرين المحتملين في التصرف بالأوراق المالية والمنتجات الاستثمارية".

وفيما يلي مجموعة من الملاحظات التي نبديها على هذا التعديل وهي:

أولا: تشوب المادة (1-27-1) سالفة الذكر شبهة عدم دستورية لتعارضها مع مجموعة من مواد الدستور منها المادة (36) التي كفلت حرية الرأي والبحث العلمي وحق التعبير عن الرأي ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، والمادة (37) التي كفلت حرية الصحافة والطباعة والنشر والمادة (30) التي كفلت الحرية الشخصية.

ثانيا: لم يراع هذا التعديل التعريف الوارد في المادة (1) من القانون رقم (7) لسنة 2010 وتعديلاته لمصطلح (مستشار استثمار) حيث عرفه المشرع بأنه "شخص اعتباري يقوم بتقديم الاستشارات الاستثمارية المتعلقة بالأوراق المالية مقابل عمولة"، وعدم مراعاة ذلك تتجلى في جانبين:

-      الجانب الأول: أن صياغة المادة (1-27-1) المضافة للائحة التنفيذية جاءت عامة ومطلقة ويفهم من سياقها أن الحظر يشمل الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، بدلالة عموم النص وعدم تقييده بالأشخاص الاعتبارين، وبدلالة بعض الكلمات الأخرى مثل (إعادة النشر) والتي يبدو أن المقصود منها هو الريتوت وما شابهه، بينما وفقا للتعريف الوارد في المادة (1) من القانون فإنه لا يجوز أصلا أن يرخص للشخص الطبيعي بمزاولة نشاط مستشار استثمار وهذا الترخيص مقصور على الأشخاص الاعتباريين، وبالتالي تكون المادة (1-27-1) قد حظرت على الأشخاص الطبيعيين القيام بالتحليل أو الإدلاء بالتصريحات أو التوصيات حظرا مطلقا.

-      الجانب الثاني: أن صياغة المادة (1-27-1) جاء عامة ومطلقة ولم تراع أن من يقوم بتقديم الاستشارات الاستثمارية المتعلقة بالأوراق المالية دون مقابل لا يعتبر قد زاول نشاط مستشار استثمار، وذلك لأن التعريف اشترط أن يكون ذلك مقابل عمولة.

ثالثا: ما نصت عليه المادة (1-27-2) من حق الهيئة بأن تنشر تحذيرا من الشخص الذي يزاول نشاط مستشار استثمار دون ترخيص هو نوع من أنواع العقوبة، وذلك لما ينطوي عليه التحذير المنشور من جهة رقابية رسمية من إساءة لسمعة الشخص المحذر منه، ولا يجوز فرض عقوبة بقرار إداري لتنافي ذلك مع مبدأ شرعية العقوبات الذي نصت عليه المادة (32) من الدستور.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان