دور الدين في تشكيل النظام القانوني الكويتي - المحامي علي العريان

   

 

النظام القانوني الكويتي هو أحد الأنظمة القانونية اللاتينية، إذ أن هنالك نظامين قانونين سائدين في العالم اليوم هما النظام اللاتيني والأنكلوسكسوني، وعندما نتحدث عن دور الدين في تشكيل القانون الكويتي، فنحن نتحدث عن دور الدين الإسلامي تحديدا إذ ينحسر تأثير الأديان الأخرى في القانون الكويتي، وبما أن القانون الكويتي من الأنظمة اللاتينية، وبما أن القانون الفرنسي هو أحد أهم الأنظمة القانونية اللاتينية وهو مصدر تاريخي مادي مهم للقانون الكويتي، فيستحسن بداية أن نشير إلى دور الفقه الإسلامي في تشكيل القانون المدني الفرنسي، ثم إلى تعريف بعض المصطلحات وتوضيح الفارق فيما بينها كمصطلح الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والتشريع الإسلامي والقانون، وتبيان محل النزاع والإشكالية وتحديده فيما يتعلق بالتعارض والتناقض ما بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي، ومن بعد ذلك نتطرق إلى دور الدين الإسلامي في تشكيل القانون الكويتي من عدة زوايا، أولاها الاتجاه الإسلامي الدستور الكويتي، وثانيها الفقه الإسلامي كمصدر رسمي للقانون الكويتي، وثالثها أثر الدين في العملية التشريعية وسن القوانين في دولة الكويت.

أولا: مقدمة وتمهيد

أ‌-    دور الفقه الإسلامي في تشكيل القانون المدني الفرنسي:

يدعي بعض الإسلاميين – وهو ادعاء لم أتحقق من مدى صحته – أن القانون المدني الفرنسي إنما هو تقنين لأحكام الفقه الإسلامي وفقا للمذهب المالكي، ويذكر في التدليل على ذلك وشاهدا عليه بعض الروايات والحجج منها ما يلي:

1-  قيام نابليون بونابارت بتقنين أحكام المذهب المالكي وأخذ القانون المدني الفرنسي منها

نسب بعض رجال الدين الإسلاميين إلى المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون أنه ذكر في كتابه (حضارة العرب) أن نابليون بونابارت كان يحمل كتاب شرح الدردير على مختصر خليل وأنه حين وضع القانون المدني الفرنسي وهو ما عرف بقانون نابليون فإنما استقاه مباشرة من أحكام الفقه الإسلامي وفقا لمذهب الإمام مالك بن أنس، وقد بحثت بكلمات مفتاحية عديدة في كتاب (حضارة العرب) ولم أجد ثمة عبارة ذكرها غوستاف لوبون على نحو ما نقل عنه، نعم وجدت له عبارة يتحدث فيها عن شراح المذاهب الأربعة الفقهية السنية، وقيام الفرنسيين بترجمة كتاب (المختصر) لخليل مرتين، حيث يقول فيها:

"ثم صار لكل واحد من هذه المذاهب الأربعة كثير من الشراح، ومن ذلك أن كان خليل المتوفى سنة 1422م شارحا للمذهب المالكي المنتشر في بلاد الجزائر، فعد كتابه الذي ترجم إلى الفرنسية مرتين، إحداهما بقلم الدكتور بيرون والثانية بقلم مسيو سغنت أهم رسالة في الفقه المالكي" حضارة العرب – ص397.

2-  قيام الخديوي إسماعيل بترجمة القانون الفرنسي ومقارنته بأحكام الفقه الإسلامي وفقا للمذهب المالكي تمهيدا لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مصر

وهي قصة ساقها د.علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر في عدة لقاءات تلفزيونية تحدث فيها عن احتجاج الإخوان المسلمين في مصر على القوانين الوضعية وادعائهم مخالفتها للشريعة الإسلامية، حيث ذكر أنه قد جيء للخديوي إسماعيل بمجلة الأحكام العدلية التي وضعتها الدولة العثمانية وكانت هذه المجلة تقنينا لأحكام المذهب الحنفي، وأريد فرضها على الخديوي إسماعيل كي يطبقها في مصر ولتكون بمثابة القانون المدني الحاكم للمسائل المالية فيها، إلا أن الأخير كان ذا نزعة استقلالية ودأب على محاولة معاملة السلطان التركي معاملة الند للند، فلم يرغب بتطبيق مجلة الأحكام العدلية كيلا يقال بأنه تبع للدولة العثمانية، إلا أنه ومن ناحية أخرى لم يرد أن يقال عنه بأنه يعرض عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فاستدعى مستشاريه وعرض عليهم الإشكالية، فاقترح عليه وزير الحقانية (أي وزير العدل) قدري باشا، وكان هذا من فقهاء الأحناف، أن يضع له مجلة تقابل مجلة الدولة العثمانية، وتتضمن تقنينا لأحكام المذهب الحنفي أيضا، ولكن بحيث يختار الآراء المقابلة لما اختارته مجلة الأحكام العدلية، إذ أن المذهب الحنفي نفسه يتضمن بين طياته آراء مختلفة ومتعارضة، وبهذا يكون الخديوي إسماعيل قد طبق أحكام الشريعة الإسلامية ولم يخضع للسلطة التشريعية للدولة العثمانية في ذات الوقت، إلا أنه كان هنالك رأي آخر طرح على الخديوي إسماعيل وهو أن يتم تقنين أحكام المذهب المالكي، ولكن أحدهم قال بأن القانون المدني الفرنسي إنما هو تقنين لأحكام المذهب المالكي، فلماذا يعيدون اختراع العجلة، إذ بإمكانهم الاكتفاء بترجمة القانون الفرنسي إلى اللغة العربية ومراجعته من حيث مدى تطابقه مع أحكام الفقه المالكي، وبالفعل اضطلع مجدي صالح باشا بهذه المهمة وقام بترجمة القانون الفرنسي إلى العربية وسلم الملازم إلى القاضي والفقه المالكي آنذاك مخلوف المنياوي، والأخير قام بكتابة بحث مقارن ما بين القانون الفرنسي والمذهب المالكي، وبعد أن انتهى من كتابته أخذه إلى الخديوي إسماعيل والذي كان قد سافر آنذاك وجاء محله الخديوي توفيق، فلم يكتب للمشروع التوفيق وقام المنياوي بإيداع كتابه في دار الكتب المصرية، والذي طبع لاحقا في مجلدين تحت عنوان (المقارنات التشريعية: تطبيق القانون المدني والجنائي على مذهب الإمام مالك).

   

           


3- كتابات وأبحاث أخرى مقارنة ما بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية

كما كتب آخرون العديد من الدراسات في المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، من هؤلاء وزير الأوقاف السوري السابق أحمد المهدي خضير والذي ألقى محاضرات في هذا الموضوع في الكويت بدعوة من جمعية الإصلاح الاجتماعي وطبعت ضمن رسائل بعنوان "التشريع الجنائي المقارن بين الشريعة والقانون"، ورجل الدين الأزهري سيد عبدالله علي حسين والذي كتب كتابا آخر بعنوان (المقارنات التشريعية: مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك بن أنس)، وقال في مقدمته:

"فترجمت فقه القانون المدني الفرنسي، وقارنت أصوله وقواعده بما يوافق أو يخالف ذلك من مذهب الإمام مالك، فكان ذلك دليلا على ما ادعيت من أن القانون المدني الفرنسي (وهو أصل القوانين التشريعية الوضعية) مأخوذ من مذهب الإمام مالك بن أنس". المقارنات التشريعية – ج1 – ص62.

ب‌-  تعريفات ومصطلحات أساسية، الشريعة الإسلامية، الفقه الإسلامي:

الإشكالية المطروحة هي ما لو كان هنالك تعارض وتناقض وتضارب بين الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي أو الدين الإسلامي من ناحية والقانون الوضعي من ناحية أخرى، وفي الواقع لا بد من تفكيك المصطلحات وتعريفها والتمييز فيها بينها، لكي يتسنى للباحث أن يحرر محل النزاع والإشكالية ويرسم حدوده بشكل دقيق، ولا بد من القول بأن الكاتبين والباحثين والمشرعين مختلفين فيما بينهم في تعريف المصطلحات سالفة الذكر تعريفا موحدا، فثمة من يستخدم الشريعة الإسلامية كمرادف للفقه الإسلامي، وهنالك من يميز بينهما فيقول بأن الشريعة الإسلامية هي منطقة الثوابت من الدين بينما الفقه الإسلامي هو منطقة المتغيرات، وهو تعريف غير دقيق لوجود ثوابت في الفقه لا يجوز إنكارها مثل أصل الاعتقاد بوجوب الصلاة والصيام، وهنالك من يعرف الشريعة الإسلامية بأنها مجموع الأحكام والقواعد والمبادئ العامة التي جاءت في القرآن والسنة النبوية وتشمل الأحكام الاعتقادية والأحكام العملية، بينما يعرف الفقه الإسلامي بأنه مجموع القواعد والأحكام التي استنبطها الفقهاء من القواعد الكلية التي تضمنها الكتاب والسنة، وهنالك من يرى بأن الفقه هو لغة الفهم واصطلاحا العلم باستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية، وهو بذلك يخرج الأحكام الشرعية الأصلية – أي العقدية مثل التوحيد والنبوة والمعاد – عن دائرة الفقه ويدخلها في دائرة العقيدة وأصول الدين، كما يخرج العلم بالأحكام الفقهية بطريق التقليد من دائرة التعريف ليجعل الفقه هو العلم بهذه الأحكام من أدلتها التفصيلية دون الأدلة الإجمالية.

ج- تحرير محل النزاع بين القانون الديني والوضعي:

بعيدا عن أزمة التعريفات، فإن تحرير محل النزاع والتناقض ما بين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من ناحية والقوانين الوضعية تستلزم منا تفكيك هذه المفاهيم إلى عناصرها الأساسية ومصادر استنباطها، فالفقه الإسلامي من ناحية يرجع إلى مصادر استنباط متعددة هي الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وبالتالي فهنالك أحكام فقهية لا تجد لها أساسا إلا في النص، دون أن يكون لها تفسير وأساس عقلي، وهي إما أن ليس لها أساس عقلي البتة، أو أن لها أساسا عقليا مجهولا، أي أنها مجهولة العلة، ولا قيمة للتفاوت بين الحالتين في بحثنا هذا إذ أن ما لا علة له هو بحكم ما هو مجهول العلة، فكلاهما يعتمد على النص الديني فقط والوحي فقط كسند له، ومثال ذلك تحديد عدد الزوجات في الفقه الإسلامي بأربعة، فأساسه النص فقط دون غيره.

من ناحية أخرى فالقوانين الوضعية إذا أرجعناها إلى عناصرها الأساسية وفككنا مفهومها بالرجوع إلى مصادرها المادية التاريخية، فسنجد أن الدين نفسه هو أحد مصادرها الأساسية، كما أن عادات وأعراف المجتمع هي مصادر أيا للقانون الوضعي، ومن هنا يتبين أن ليس جميع قواعد القانون الوضعي لها أساسها في العقل والعلم، وإنما يرجع بعضها إلى مصادر غير علمية وإلى العادات والأعراف والتقاليد والأديان، وهكذا يتبين أن هنالك مساحة تداخل واسعة وكبيرة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي.

ولذا فمن المهم إعادة تعريف الإشكالية، وتحديد محل النزاع في أنه يكمن ما بين قواعد دينية لا تعتمد إلا على النص والوحي والإجماع كأصل وأساس لها دون أن يكون لها أساس علمي أو عقلي معلوم، وبين قواعد علمانية مستمدة من العقل والعلم فقط دون غيرها، وإذا ما وضعنا إصبعنا على هذه المنطقة فسنجد أنها هي البون الفارق ومفترق الطرق ومحل النزاع ما بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي.

ثانيا: دور الدين في تشكيل القانون الكويتي:

أ‌-     الاتجاه الإسلامي في الدستور الكويتي:

القواعد الدستورية هي أسمى القواعد القانونية، حيث يسمو تطبيقها على كافة القوانين العادية والاتفاقيات الدولية واللوائح والقرارات التنظيمية، ويرى الدكتور عثمان عبدالملك الصالح الخبير الدستوري الكويتي بأن ثمة اتجاها إسلاميا في الدستور الكويتي، يتمظهر في جانبين شكلي وموضوعي على النحو الذي نبينه فيما يلي:

1-  الاتجاه الإسلامي الموضوعي في الدستور الكويتي:

ونعني به تأثر الدين الإسلامي في القواعد الدستورية ومضمونها، ويتجلى هذا الاتجاه في ثماني سمات، هي:

- السمة الأولى: عدم خروج الدستور عن كنف الأحكام القطعية في الكتاب والسنة: حيث يرى بعض الخبراء الدستوريين ومنهم الدكتور المصري عثمان خليل عثمان الذي ساهم في وضع الدستور الكويتي وكان عميدا لكلية الحقوق في جامعة عين شمس، يرى أن الدستور الكويتي لم يخرج عن كنف الأحكام القطعية في الكتاب والسنة، حيث يقول في ذلك:

«لقد أطلنا في هذا التدليل والاستشهاد ردا على سؤال استنكاري طالما ردد خلال إعداد الدستور الكويتي ثم في أعقاب إصداره: لماذا لم تتخذ الشريعة الإسلامية دستورا للكويت ...؟ كما وجد من زعم أن استحداث دستور معناه الحكم بغير ما أنزل الله، فكل ذلك مردود..، وعلى من يسأل السؤال السابق مستنكرا أن يضع يده على مادة من مواد دستور الكويت ... ويقول أن هذه المادة تخالف حكما قطعيا يبينه، فهنا يلزم الوقوف إلى جانبه لرد النص إلى حظيرة الحل الشرعي، ولم يعين أحد للآن مثل هذه المخالفة بصدد أي من تلك المواد فصح افتراض حلها .. والأصل في الأمور الإباحة حتى يرد نص بالتحريم».

- السمة الثانية: نص الدستور الكويتي على أن الميراث حق تحكمه الشريعة الإسلامية، ولعل هذا من مصاديق عدم خروج الدستور عن كنف الأحكام القطعية لأن هذا الحق تحديدا وردت فيه نصوص قرآنية واضحة الدلالة قطعية الصدور تنظم بعض أحكامه، ومنها التمييز بين الذكر والأنثى في الميراث بحيث يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.

- السمة الثالثة: نصت المادة الثانية من الدستور الكويتي على أن دين الدولة الإسلام، وقد اختلف في تفسير هذه العبارة، إذ يرى البعض أن الدولة إنما هي شخص اعتباري لا ينسب له دين ولا يمكن له أن يقيم الصلاة ولا أن ينهض بالعبادات وليس له قلب ينعقد بالتصديق بالعقائد الإسلامية، وذهب البعض الآخر إلى تفسير هذه العبارة بأن المعني منها أن أغلبية سكان الدولة وشعبها من المسلمين وأن المراسم الرسمية كالأعياد تقام وفقا لمناسبات الدين الإسلامي وهكذا.

- السمة الرابعة: نجد سمة ثانية من سمات الاتجاه الإسلامي الموضوعي للدستور الكويتي في المادة الثانية أيضا، حيث أنها تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع الرئيسية، وقد كانت هذه المادة هدفا دائما للتيارات الإسلامية السياسية وشعارا للحملات الانتخابية للمرشحين الإسلاميين، حيث هدفوا دائما لتعديلها بحيث تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع، ولا شك بأن النص في صياغته الحالية يجعل الشريعة مصدرا في عرض المصادر الأخرى، ولا يلزم المشرع بالأخذ بها، بل وإنه إذا خالف قانون الشريعة الإسلامية فإنه لا يعد قانونا غير دستوري ولو عرض على المحكمة الدستورية لما حكمت ببطلانه لمحض كونه مخالفا للشريعة الإسلامية، وفيما يلي نص المادة الثانية من الدستور وهو:

«دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»

وقد نصت المذكرة التفسيرية للدستور في ذيل المادة الثانية على ما يلي:

«... وفي وضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة إسلامية أساسية دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكما لها، أو يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تمشيا مع ضروريات التطور الطبيعي على مر الزمن، بل أن في النص ما يسمح بالأخذ بالقوانين الجزائية الحديثة مع وجود الحدود في الشريعة الإسلامية، ... كما يلاحظ بهذا الخصوص أن النص الوارد بالدستور – وقد قرر أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع – إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة، ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ، عاجلا أو آجلا، بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الأمور إذا رأى المشرع ذلك».

- السمة الخامسة: أوجب الدستور أن يكون رئيس الدولة مسلما وابنا شرعيا لأبوين مسلمين، ولا شك بأن شرعية البنوة هي مسألة تحكمها أحكام الشريعة الإسلامية أيضا.

- السمة السادسة: التأثر بأسلوب المبايعة في آلية اختيار ولي العهد التي نص عليها الدستور وحددها.

- السمة السابعة: أوجب الدستور على الدولة صيانة التراث الإسلامي

- السمة الثامنة: القسم الدستوري الواجب على الوزراء وأعضاء البرلمان قبل مباشرتهم لمهامهم واختصاصاتهم متأثر في صياغته الدستورية بالشريعة الإسلامية.

2-  الاتجاه الإسلامي الشكلي في الدستور الكويتي:

وأما الاتجاه الإسلامي الشكلي في الدستور الكويتي، ونعني به تأثير النصوص الدينية الواردة في الكتاب والسنة في مفردات وألفاظ الدستور الكويتي وصياغته اللغوية، ويمكن أن نذكر بعض الأمثلة والشواهد على ذلك في الجدول التالي:

موضعه في الشريعة

موضعه في الدستور

اللفظ

(وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم)

الديباجة

الشورى في الحكم

(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم)

قول النبي «من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة، لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية».

مادة (4) «مبايعة مجلس الأمة»

المبايعة

الحديث (الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).

مادة (29) - عند تحدثها عن المساواة

سواسية

 

ب‌-                  الدين كمصدر رسمي للقانون الكويتي:

حينما يعرض نزاع على القاضي لكي يفصل فيه، فإن أول عملية يقوم بها هي البحث عن القاعدة القانونية أو ما يعبر عنه علماء المنطق بالقضية الكلية أو الحكم الكلي الواجب تطبيقه على موضوع النزاع، ثم يقوم بإسقاط هذه القاعدة على الواقعة المعروضة أمامه، ويطبقها عليها، لكي يخلص في نهاية المطاف إلى نتيجة نسميها بالحكم القضائي، وحينما يريد القاضي أن يحدد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق فإنه يرجع إلى مجموعة من المصادر التي نص عليها القانون، ورجوعه إلى هذه المصادر ملزم ليس له خيار بأن يرجع إلى غيرها، كما أن عليه أن يرجع إليها وفق الترتيب الذي نص عليه القانون، وهي ما نسميه بالمصادر الرسمية للقانون، وهي مختلفة ما بين حقل وآخر من حقوق القانون، إلا أنها في القانون الكويتي المدني مثلا هي النصوص التشريعي بالدرجة الأولى، ثم أحكام الفقه الإسلامي، ثم العرف، فيجب على القاضي الرجوع إليها وفقا للترتيب السابق، فإن لم يجد نصا في القانون رجع إلى أحكام الفقه فإن لم يجد حكما رجع إلى القواعد العرفية.

ولكي ندرس دور الفقه الإسلامي كمصدر رسمي للقانون الكويتي، لا بد أن نقسم بحثنا إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل التدخل التشريعي، حيث لم تكن هنالك نصوص قانونية مكتوبة ومقننة، ومرحلة ما بعد عام 1938 أي ما بعد التدخل التشريعي حيث أصبح هنالك نصوص مكتوبة ومقننة، وإليكم تفصيل ذلك:

1-  مرحلة ما قبل التدخل التشريعي في الكويت:

يرى بعض الباحثين أن ما كان يحكم هذه المرحلة هي القواعد الدينية، وأن أحكام الفقه الإسلامي كانت مطبقة على مسائل الأحوال الشخصية والأحوال المالية، ولعل أدق وصف للواقع القانوني في تلك المرحلة ما ذكره المحامي محمد عبدالقادر الجاسم في كتابه (روح الدستور) وما ذكره الدكتور عثمان عبدالملك الصالح عن تلك الحقبة، حيث يقول الجاسم:

«.. أما بالنسبة إلى القواعد التي تحكم النشاط الاقتصادي في المجتمع القديم، فلم يكن الدين مصدرها، ويتضح ذلك بوضوح شديد من شيوع الربا بصور عديدة، ومن نظام الغوص الذي يلزم ورثة المدين سداد دين والدهم حتى وإن لم يترك المتوفى أي أموال يمكن سداد ديونه منها، ومن تسديد الدين عن طريق العمل الإجباري لدى الدائن، وغير ذلك من قواعد تحكم النشاط الاقتصادي وتتعارض مع أحكام الدين. أما عن القضاء فلم يكن يحكم بما يقضي به الدين إلا في إطار الأحوال الشخصية، أما في الجرائم فقد كانت العقوبات مختلطة، في حين كان فساد بعض القضاة مثار احتجاج الرأي العام الذي طالب أكثر من مرة بإقالتهم»

ويقول الدكتور عثمان عبدالملك الصالح عن حقبة ما قبل التدخل التشريعي والمجتمع الكويتي القديم:

«.. ويبدو أن مجال تطبيق الشريعة الإسلامية كان منحصرا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية ...» كما يقول: «لم يذكر لنا التاريخ أي سابقة تشير إلى قطع يد السارق، أو رجم الزانية المحصنة، على عكس ما كان يحدث ويحدث الآن في البلاد المطبقة للشريعة الإسلامية كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، وهناك أعمال تحرمها الشريعة الإسلامية وتشمل ذلك التحريم بالعقاب، إلا أنها كانت مباحة وشائعة في الكويت، كالربا والتهريب وقطع الطرق».

وهو ما يعني أن الكويت لم تكن في يوم من الأيام دولة دينية بالمفهوم المطروح في المملكة العربية السعودية أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو أفغانستان سابقا.

2-  مرحلة ما بعد التدخل التشريعي في الكويت:

بدأت مرحلة التدخل التشريعي بتطبيق مجلة الأحكام العدلية في الكويت عام 1938 وبتطبيق هذه المجلة أصبحت المسائل المالية محكومة بأحكام المذهب الحنفي، حيث أن المجلة لم تكن إلا تقنينا لهذه الأحكام، وبقيت مسائل الأحوال الشخصية لأبناء المذهب السني يحكمها الفقه المالكي بينما يطبق الفقه الجعفري على الكويتيين الشيعة، وقد صدر بعد ذلك قانون التجارة الداخلي عام 1938 وقانون الغواصين والسفر عام 1940، وكانت التشريعات في تلك الحقبة على نوعين، فإما أنها تقنين لأحكام الفقه الإسلامي مثل مجلة الأحكام العدلية ولا تتضمن اعتداء على تطبيق الشريعة الإسلامية، أو أنها كانت تتضمن قواعد تناقض الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي.

وبتسليط الضوء على التشريعات السارية اليوم في دولة الكويت، نجد أن للفقه الإسلامي دورا محوريا كمصدر فيها، إلا أن هذا الدور يشتد في بعضها وينكمش في البعض الآخر، حيث نجد أنه اللاعب الأساسي والوحيد في قانون الأحوال الشخصية ثم القانون المدني ثم يبدأ بالتضاؤل في القوانين التجارية وقانون الجزاء، وفيما يلي تفصيل أكثر بهذا الشأن:

-      قانون الأحوال الشخصية: صدر هذا القانون عام 1984 وينظم مسائل الأحوال الشخصية لأبناء المذهب السني، ويمكن أن نقول بأنه مأخوذ بشكل كامل من الفقه الإسلامي وخصوصا من مذهب الإمام مالك بن أنس وأبي حنيفة، فالفقه الإسلامي هو المصدر المادي لهذا القانون، ثم إن المادة (343) منه قد نصت على ما يلي: «كل ما لم يرد له حكم في هذا القانون يرجع فيه إلى المشهور في مذهب الإمام مالك، فإن لم يوجد المشهور طبق غيره، فإن لم يوجد حكم أصلا، طبقت المبادئ العامة في المذهب)»، وأما بالنسبة لأبناء المذهب الجعفري في الكويت فلم يصدر تشريع ينظم مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بهم ولا زالت أحكام الفقه الإسلامي وفقا لآراء المرجع الشيعي ذائع الصيت السيد علي السيستاني هي المطبقة في المحاكم.

-      القانون المدني الكويتي الجديد صدر عام 1980 ودخل حيز النفاذ عام 1981 وألغى العمل بمجلة الأحكام العدلية، ولم تكن الشريعة الإسلامية ولا الفقه الإسلامي مصدرا رسميا للقانون المدني حتى عام 1996 حيث أجري تعديل للمادة الأولى منه بحيث أصبح تنص على ما يلي: " 1- تسري النصوص التشريعية على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها أو بمفهومها. 2- فإن لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي وفقا لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقا مع واقع البلاد ومصالحها فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف" وبهذا أصبح الفقه الإسلامي مصدرا ثانيا بعد التشريع للقانون المدني، ولم يقيد المشرع القاضي بتطبيق أحكام مذهب إسلامي معين كما هو واضح من النص.

-      قانون التجارة الكويتي لا زال لا يأخذ بالشريعة الإسلامية كمصدر له، والمادة الثانية من هذا القانون تنص على أن التشريع هو المصدر الأول بينما العرف التجاري هو المصدر الثاني، وتسكت عند هذا الحد.

-      قانون الجزاء (العقوبات) الكويتي: تبين المذكرة الإيضاحية لهذا القانون موقفه إزاء تطبيق أحكام الفقه الإسلامي حيث تقول: «.. وليس هناك أي تعارض بين قانون الجزاء الذي يصدر اليوم في الكويت وأحكام الفقه الإسلامي التي كان معمولا بها قبل صدور هذا القانون، لا في الجملة ولا في التفصيل، ذلك أن الفقه الإسلامي، فيما عدا الحدود، فتح باب التعزير واسعا للقاضي، يدخل منه إلى تحديد الأعمال المعاقب عليها وإلى تقرير العقوبة في كل عمل، فإذا جاء ولي الأمر ورسم للقاضي حدودا واضحة لهذه الأعمال وتقديرا مرنا لهذه العقوبات، فإنه لا يخرج على المبادئ المسلم بها في الفقه الإسلامي، ويكون هذا من باب تخصيص القضاء، والقضاء يتخصص بالمكان وبالزمان وبالموضوع وبالأشخاص كما هو معروف عند الفقهاء»، ويمكن أن نلاحظ بأن المذكرة الإيضاحية تتضمن إقرارا بإعراض المشرع الكويتي عن تطبيق الحدود، بالإضافة إلى أنها تشير إلى حقبه ما قبل التدخل التشريعي، وقد بينا آنفا أن الفقه الجنائي الإسلامي لم يكن مطبقا أصلا في تلك الحقبة، كما يلاحظ أن قانون الجزاء الكويتي استند إلى فكرة التعزير كأسيس تنظيري له في الفقه الإسلامي.

ت‌-                  أثر الدين في العملية التشريعية في الكويت:

في الجدول التالي نلخص مجموعة من الأحكام القانونية التي نعتقد بأنها من الأمثلة التي تدل على تأثر العملية التشريعية والقواعد القانونية في الكويت بالشريعة الإسلامية:

العقوبة

الجريمة

القانون

الغرامة (100 د.ك) / الحبس (شهر)

المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان

القانون (44) لسنة 1968

الغرامة (1000 د.ك) / الحبس (سنة)

التشبه بالجنس الآخر

قانون الجزاء

الغرامو (بين 5000-20000 د.ك) / الحبس (سنة)

المساس بالذات الإلهية أو القرآن أو الأنبياء أو الصحابة أو آل البيت أو زوجات النبي

قانون المطبوعات والنشر

الغرامة (1000 د.ك) / الحبس (سنة)

مواقعة أنثى برضاها (بلغت 18عاما)

قانون الجزاء

الغرامة (1000 د.ك) / الحبس (سنة)

قبول الأنثى أن يواقعها رجل برضاها (بلغت 18 سنة)

قانون الجزاء

الحبس (7 سنوات)

الممارسة المثلية الجنسية بين الذكور بالتراضي (بلغا 21 سنة)

قانون الجزاء

الغرامة (37 د.ك و500 فلس) / الحبس (3 أشهر)

لعب القمار في محل عام

قانون الجزاء

الغرامة (150 د.ك) / الحبس (سنتان)

إدارة محل عام للعب القمار أو تنظيمه

قانون الجزاء

الحبس (10 سنوات)

جلب واستيراد وصنع الخمور والمسكرات بقصد الاتجار

قانون الجزاء

الغرامة (100 د.ك)

جلب واستيراد وصنع الخمور والمسكرات لغير الاتجار

قانون الجزاء

 

وتوضيحا – على سبيل المثال – لأثر الشريعة الإسلامية والحس الديني في القانون، فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم (44) لسنة 1968 بشأن تجريم المجاهرة بالإفطار في نهار شهر رمضان على ما يلي: «يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة دينار وبالحبس مدة لا تجاوز شهرا أو بإحدى هاتين العقوبتين: (أ) كل من جاهر في مكان عام بالإفطار في نهار رمضان (ب) كل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة، مع جواز إضافة عقوبة غلق المحل العام الذي يستخدم لهذا الغرض لمدة لا تجاوز شهرين»، وذكر المذكر الإيضاحية للقانون ما يلي: «.. وما من شك أن المجاهر بالإفطار في الأماكن العامة يؤذي شعور المسلمين، حتى لو كانت هذه المجاهرة ممن له عذر في إفطاره، لأن هذا العذر لا يعلمه الناس كافة وإنما هو أمر بين العبد وربه، والمجاهرة به إيذاء لا مبرر له».

وأما في مجال الأحوال الشخصية فهنالك الكثير من الأمثلة التي تدلل على أثر الشريعة الإسلامية في القانون منها إباحة تعدد الزوجات وتحديد الحد الأقصى للزوجات بأربع، ومنع المرأة من تطليق نفسها، وتنظيم مسائل الميراث والوقف وفقا لأحكام الفقه الإسلامي.

وأما القانون المدني فيلاحظ مثلا أن المادة (305) منه قد حظرت الربا، حيث تنص على ما يلي: «1- يقع باطلا كل اتفاق على تقاضي فوائد مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود أو مقابل التأخير في الوفاء بالالتزام به 2- ويعتبر في حكم الفائدة كل منفعة أو عمولة أيا كان نوعها اشترطها الدائن إذا ما ثبت أن ذلك لا يقابله خدمة حقيقية متناسبة يكون الدائن قد أداها فعلا».

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكم التصوير في القانون الكويتي – بقلم علي العريان

هل يجوز الحجز على بيتك؟

العواقب القانونية للإلحاد والردة .. بقلم المحامي علي العريان